للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة ٢٨] والنجاسة هنا للعقيدة وليس للإنسان بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء ٧٠]، وبدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ربط ثُمامة في مسجده الشريف وهو مشرك فلو كان نجس العين لما فعله، فالمشركون حين اعتدوا على صفاء التوحيد وأمانة العقيدة بالهبوط بهما إلى أوحال الوثنية ودجلها كان ذلك تنجيساً معنوياً لهما تماماً كما ينجسُ الثوب الرفيع إذا ما دُنِّس بوحل الطريق وروثه. لكن هل يلحق اليهود والنصارى بالمشركين في هذا المنع؟ كلام الشافعية صريح في ذلك فقد قال الإمام النووي في الأحكام التي يخالف فيها الحرم غيره من البلاد: " (الرابع) أنه يمنعُ جميعُ من خالف دين الإسلام من دخوله مقيماً كان أو مارّاً. هذا مذهبُ الشافعي وجماهير الفقهاء، وجوّزه أبو حنيفة مالم يستوطنوه" (١). وقال الإمام ابن حجر في تعليقه على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان: "أي للذمِّي لا للحربي" (٢). وبهذا المعنى جاءت عبارة الإمام القرطبي: "وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره، ولا يمنع من دخول المسجد الحرام إلّا المشركون وأهلُ الأوثان" (٣).

ثم قال القرطبي: "قال الكِيَا الطبريّ: ويجوز للذميِّ دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة. وقال الشافعي: تعتبر الحاجة، ومع الحاجة لا يجوز دخول المسجد


(١) اُنظر متن شرح الإيضاح في مناسك الحج للعلامة يحيى بن شرف النووي في كتاب "حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي" في الشرح عليه، الباب الخامس في المقام بمكة المسألة الخامسة والعشرون ص ٤٦١.
(٢) حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي ص ٤٦١.
(٣) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الشهير بتفسير القرطبي ج ٨ ص ٩٧.

<<  <   >  >>