للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحرام" (١).

ثم قال: "وقال عطاء بن أبي رباح: الحرم كله قبلة ومسجد، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم، لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء ١] وإنما رُفع من بيت أُمِّ هانئ".

لكنَّ الإمام القرطبي الذي ساق مذهب أبي حنيفة لم يأخذ به بدليل تعليقه عليه بالعبارة التالية: "وهذا قولٌ يرده كل ما ذكرناه من الآية وغيرها" (١).

هذه هي خلاصة أبرز أقوال الفقهاء في المسألة، فالجمهور ألحقوا أهل الكتاب بالمشركين فمنعوهم من دخول مكة ولو لحاجة، واستدلوا على ذلك بالآية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة ٢٨]، فقال الشافعيُّ رحمه الله: الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام، فلا يمنعون من دخول غيره؛ فأباح دخول اليهودي والنصراني سائر المساجد (٢)، بينما قال أهل المدينة المنورة: الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد، وبهذا كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله ونزع في كتابه بهذه الآية، وقد أيده من أيده بقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور ٣٦] فقالوا: دخول الكفار مناقض لترفيعها، كما أيدوه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أُحلُّ المسجد لحائض ولا لجُنُب" (٣) قالوا: والكافرُ جنب، فالعلة موجودة فيه وهي الجنابة،


(١) نفس المرجع والجزء والصفحة.
(٢) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الشهير بتفسير القرطبي ج ٨ ص ٩٧.
(٣) حديث حسن أخرجه أبو داود ٢٣٢ والبيهقي ٤٤٢ و ٤٤٣ من حديث عائشة.

<<  <   >  >>