ومحمد - صلى الله عليه وسلم - اختياره من البشر تشريفاً له وتكريماً، وقد جعله فيها، وأنزل عليه خاتمة الرسالات فيها، وجعل شعاع النور يشع على الكون كله منها، وأوْجب على القادرين من عباده السعي إليها، من كل فج عميق، القريب منهم والبعيد عُرْبهم وعجمهم، وأن يدخلوها خاشعين متواضعين، كاشفي رؤوسهم متجردين من لباس أهل الدنيا، وما من بلد يجب على القادر السعي إليه إلّا مكة، فهي روضة المحبين، ومنسَك العابدين، ومهبط الرحمة والوحي والملائكة المكرَّمين، ومصعد الدعوات والحاجات والملائكة المطهرين، وهي مقدسة إلى حدّ أن المسلم منهي عن استقبالها واستدبارها وهو يقضي حاجته، ولو كان في أقصى الأرض.
مكة هذه حرم كبير للمسلمين خاصٌّ بعبادتهم وتوحيدهم ولقائهم تحت ظلال الرحمن فلا يجوز أن يشيد في جنباته معبد لغير المسلمين كما يروق لغلاة العلمانيين اليوم أن يطالب به؛ لأنها بمثابة مسجد واسع يضم وفود الأمة كلها في عبادة هي ركنٌ إسلامي لا يؤدّى إلّا على وجهٍ جماعي، وليت هؤلاء احتكموا إلى موازين الذوق والعقل معاً لما تجرّؤوا حينئذ على إطلاق هذا الهراء، فالعقل والذوق يقولان: كل مكان له خصوصيةٌ تلازمه لا يجوز لأحدٍ أن يخدش تلك الخصوصية، وإلا كان ذلك استفزازاً يدعو إلى فتنة نائمة لعناتُ الله تنصب على من يوقظها. وبوسعي أن أسأل هذا الذي استباح لنفسه هذا المطلب على قناة فضائية عربية تحمل اسم جزيرة العرب التي نسبة المسلمين فيها ١٠٠%: ما فائدة أن يبنى في مكة معبد لغير المسلمين وليس في المكان فردٌ واحد غير مسلم؟
وهل يجيز عرف العقلاء، وذوق الصلحاء إصرار زيدٍ من الناس على بناء معبد في