للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس في كلامه ما يدل على أنه يجب التقليد لهؤلاء الأئمة؛ بحيث أنْ يُلزَم الرجل أن يتمذهب بأحد هذه المذاهب الأربعة، ولا يخرج عن مذهب من قلَّده كما قد يُتوهم، بل كلامه يخالف ذلك ولا يوافقه.

وعبارته في «الإفصاح»: (اتفقوا على أنه لا يجوز أن يُوَلَّى القضاءُ مَن ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة، فإنه قال: يجوز ذلك)، ثم قال: (والصحيح في هذه المسألة: أن قول من قال: لا يجوز تَوْلِيَة قاضٍ حتى يكون من أهل الاجتهاد؛ فإنه إنما عنى به ما كانت الحال عليه قبل استقرار هذه المذاهب الأربعة التي أجمعت الأمة أن كل واحد منها يجوز العمل به؛ لأنه مستند إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالقاضي الآن، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد، ولا يسعى في طلب الأحاديث وابتغاء طُرُقِها، ولا عَرَف مِن لُغة الناطق بالشريعة صلى الله عليه وسلم ما لا يَعُوزُه معه معرفة ما يُحتاج إليه فيه، وغير ذلك من شروط الاجتهاد، فإن ذلك مما فُرِغ منه، ودَأَب له فيما سواه، وانتهى له الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم، وانحصر الحق في أقاويلهم، ودُوِّنت العلوم، وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق.

<<  <   >  >>