الْعِلْمِ عَلَى مَنْ لَا يَمْشِي بِهَا نَهَارًا أَوْ مَنْ يَمْشِي بِهَا نَهَارًا بَعْضَ الْمَشْيِ وَيَسْتَعْمِلُ فِي ذَلِكَ الرِّفْقَ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَى الْمَشْيِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهَا عُجْمٌ لَا تُخْبِرُ عَنْ حَالِهَا وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّفْقِ بِهَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا
وَفِيهِ أَنَّ الْعَالَمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يُرِيدُ الْجَوَابَ فِيهِ إِنْ سَكَتَ وَلَا يُجِيبُ بِ نَعَمْ وَلَا بِ لَا وَرُبَّ كَلَامٍ جَوَابُهُ السُّكُوتُ
وَفِيهِ مِنَ الْأَدَبِ أَنَّ سُكُوتَ الْعَالِمِ عَنِ الْجَوَابِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ تَرْكَ الْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ
وَفِيهِ النَّدَمُ عَلَى إِيذَاءِ الْعَالَمِ وَالْإِلْحَاحِ عَلَيْهِ خَوْفَ غَضَبِهِ وَحِرْمَانِ فَائِدَتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وقل ما أَغْضَبَ أَحَدٌ عَالِمًا إِلَّا حُرِمَ الْفَائِدَةَ مِنْهُ
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا
وَقَالُوا كان أبو سلمة يماري بن عَبَّاسٍ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا
وَفِيهِ مَا كان عليه عمر (رضي الله عنه) من التَّقْوَى وَخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لِسُؤَالِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مرات كل ذلك لا يُجِيبُهُ وَالْمَعْلُومُ أَنَّ سُكُوتَ الْعَالِمِ عَنِ الْجَوَابِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ السُّؤَالِ
وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ السَّائِلِ يَعِزُّ عَلَيْهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي طَبَائِعِ النَّاسِ وَلِهَذَا أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعُمَرَ يُؤْنِسُهُ
وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْزِلَةِ عُمَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعِهِ مِنْ قَلْبِهِ
وَفِيهِ أَنَّ غُفْرَانَ الذُّنُوبِ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَوْ أُعْطِيَ ذَلِكَ وذلك تحقير منه صلى الله عليه وسلم بِالدُّنْيَا وَتَعْظِيمٌ لِلْآخِرَةِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُحَقِّرَ مَا حَقَّرَ اللَّهُ وَيُعَظِّمَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ
وَإِذَا كَانَ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ كَمَا وُصِفَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ إِلَّا الصَّغَائِرُ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي كَبِيرَةً أَبَدًا لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
وَالسَّفَرُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ سُورَةُ الْفَتْحِ هُوَ مُنْصَرَفُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَقِيلَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ (فَتْحًا مُبِينًا) الْفَتْحُ ١ فَقَالَ قَوْمٌ خَيْبَرُ وَقَالَ آخَرُونَ الْحُدَيْبِيَةُ مَنْحَرُهُ وَمَحْلَقُهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فِي التَّمْهِيدِ