للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ ((مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا)) فَإِنَّهُ خَرَجَ قَوْلُهُ عَلَى الْبُقْعَةِ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ الْقَبْرُ الْمَحْفُورُ وَأَظُنُّهَا بِالْبَقِيعِ وَلَمْ يُرِدِ الْبَقِيعَ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْمَدِينَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَأَخْبَرَ أَنَّهَا أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ مُهَاجَرِهِ الَّذِي افْتُرِضَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ فِيهِ مَعَ الَّذِينَ أَوَوْهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ وَطَنِهِ وَنَصَرُوهُ حَتَّى ظَهَرَ دِينُهُ وَكَانَ قَدْ عَقَدَ لَهُمْ حِينَ بَايَعَهُمْ أَنَّهُ إِذَا هَاجَرَ إِلَيْهِمْ يُقِيمُ أَبَدًا مَعَهُمْ فَيَكُونُ مَحْيَاهُ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُ مَمَاتَهُمْ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ وكان من دعائه أَنْ يُحَبِّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَهُ الْمَدِينَةَ كَحُبِّهِمْ لِمَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَكَانَ يَكْرَهُ لِأَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَمُوتُوا فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرُوا مِنْهَا وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ

وَأَمَّا تَكْرِيرُهُ هَذَا الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَانَتْ عَادَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَكِّدُهُ وَيُكَرِّرُهُ ثَلَاثًا

١٣ -

(١٥ - بَابُ مَا تَكُونُ فِيهِ الشَّهَادَةُ)

٩٥٨ - مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً بِبَلَدِ رَسُولِكَ

قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَوَفَاةً فِي مَدِينَةِ رَسُولِكَ

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا شَهِيدٌ فِي غَزَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ غَزَاةٍ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا

وَقَدْ أَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَةَ عُمَرَ إِذْ قَتَلَهُ كَافِرٌ وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ قَتْلَهُ بِيَدِ مُسْلِمٍ كَمَا كَانَ يَتَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ

وَيَدُلُّ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ لِتَمَنِّي عُمَرَ أَنْ تكون وَفَاتُهُ بِهَا كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ ((مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا))

وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِلْمَدِينَةِ فَضْلَهَا عَلَى سَائِرِ الْبِقَاعِ إِلَّا مَكَّةَ فَإِنَّ الْآثَارَ وَالْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ مكة معه

<<  <  ج: ص:  >  >>