وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ
فَرَأَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَطْعَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ
وَاحْتَجَّ بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) الْمُرْسَلَاتِ ٢٥ وَقَالُوا الْقَبْرُ حِرْزٌ وَسِتْرٌ لِلْكَفَنِ كَأَنَّهُ بَيْتٌ لِلْحَيِّ وَقَدْ أَتَى فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ أَنَّ الْقَبْرَ بَيْتٌ
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ وَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكْ وَلَا يَصِحُّ الْقَطْعُ إِلَّا عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مِلْكٍ مُلِكَ فِي حَوْزَةٍ
وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ كَسْرُ عَظُمِ الْمُسْلِمِ الْحَدِيثَ فَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا
وَقَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْإِثْمِ تَفْسِيرٌ حَسَنٌ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى رَفْعِ الْقَوْدِ فِي ذَلِكَ وَالدِّيَةِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْإِثْمُ
(١٦ - بَابُ جَامِعِ الْجَنَائِزِ)
٥١٩ - ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى
هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ
وَفِيهِ النَّدْبُ فِي الدُّعَاءِ بِالْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِذَا كَانَ هُوَ الدَّاعِي بِذَلِكَ وَقَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَأَيْنَ غَيْرُهُ مِنْهُ
وَالدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَالْخُضُوعِ وَالضَّرَاعَةِ وَالرَّجَاءِ وَذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ