للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وَالْمُؤْمِنُ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ مُعْتَدِلَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ أَشَدُّ خَوْفًا لِلَّهِ وَأَكْثَرُ إِشْفَاقًا وَوَجَلًا وَلِذَلِكَ كَانُوا أَرْفَعَ دَرَجَاتٍ وَأَعْلَى مَنَازِلَ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ وَأَخْبَرَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَنْ دُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعِصْمَةِ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ لِذَوِي النُّهَى

وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى فَمَأْخُوذٌ عِنْدَهُمْ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النِّسَاءِ ٦٩

وَقِيلَ الرَّفِيقُ الْجَنَّةُ

وَقِيلَ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى مَا على فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَهِيَ الْجَنَّةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُ عَائِشَةَ بَعْدَ هَذَا مِنْ بَلَاغَاتِ مَالِكٍ

٥٢٠ - أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ قَالَتْ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى فَعَرَفْتُ أَنَّهُ ذَاهِبٌ

يُفَسِّرُ مَا قَبْلُهُ كَأَنَّهَا قَالَتْ إِنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ الْمَصِيرِ إِلَى اللَّهِ فَاخْتَارَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا اخْتَارَ الْآخِرَةَ لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَمَا مَضَى مِنْهَا وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا فَكَالْحُلْمِ إِذَا انْقَضَى وَدَارُ الْبَقَاءِ فِي الْخَيْرِ الدَّائِمِ أَوْلَى بِاخْتِيَارِ ذَوِي النُّهَى

وَلَيْسَ فِي مُسْنَدِ مَالِكٍ ذِكْرُ التَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا ذِكْرُهُ فِيمَا بَلَغَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا فِي بَلَاغَاتِهِ فِي التَّمْهِيدِ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ نَبِيٍّ مَرِضَ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بَحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النِّسَاءِ ٦٩ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ

وَهَذَا يَقْتَضِي مَعْنَى حَدِيثِ بَلَاغِ مَالِكٍ وَيُعَضِّدُهُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) خَيَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عن أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>