وَكَذَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ عَلَى أَفَنِيَّةِ الْقُبُورِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ أَحْسَنُ مَجِيئًا وَأَثْبَتُ نَقْلًا مِنْ غَيْرِهَا
وَالْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَلَى أَفَنِيَّةِ قُبُورِهَا لَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِيمُ وَلَا تُفَارِقُ أَفَنِيَّةَ الْقُبُورِ بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَسْرَحُ حَيْثُ شَاءَتْ
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ الْأَرْوَاحُ عَلَى الْقُبُورِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
٥٢٢ - مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال كل بن آدَمَ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ
تَابَعَ يَحْيَى قَوْمٌ عَلَى قَوْلِهِ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ
وَعَجْبُ الذَّنَبِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ الْعَظْمُ فِي الْأَسْفَلِ بَيْنَ الْإِلْيَتَيْنِ الْهَابِطُ مِنَ الصُّلْبِ يُقَالُ لِطَرَفِهِ الْعُصْعُصُ وَيُقَالُ عَجْبُ الذَّنَبِ وَعَجْمُ الذَّنَبِ وَهُوَ أَصْلُهُ
وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَعُمُومُهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بَنُو آدَمَ فِي ذَلِكَ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَجْسَادِ الشُّهَدَاءِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُهُمْ وَحَسْبُكَ مَا جَاءَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي ذَلِكَ لَفْظُ عُمُومٍ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَنْ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ عَجْبُ الذَّنَبِ
وَإِذَا جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَ الْأَرْضُ عَجْبَ الذَّنَبِ جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَ الشُّهَدَاءَ
وَذَلِكَ كُلُّهُ حُكْمُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ وَلَيْسَ فِي حُكْمِهِ إِلَّا مَا شَاءَ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ هَذَا مَا عَرَفْنَا بِهِ وَيُسَلَّمُ لَهُ إِذَا جَهِلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَكِنَّهُ قَوْلُ مَنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ حَدِيثَ جَابِرٍ قَالَ اسْتَصْرَخَ بِنَا إِلَى قَتْلَانَا يَوْمَ أُحُدٍ