ثم قال أبو هريرة اقرؤوا (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الرُّومِ ٣٠
وَذَكَرُوا حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ الرُّؤْيَا فِيهِ وَالشَّيْخُ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَالْوِلْدَانُ حَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ
فَقَالُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ أَلْفَاظُهَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ لَيْسَ كَمَا تَأَوَّلَهُ الْمُخَالِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ بَلِ الْجَمِيعُ مِنْ أَوْلَادِ النَّاسِ مَوْلُودُونَ عَلَى الْفِطْرَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْفِطْرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَاضْطَرَبُوا فِي مَعْنَاهَا وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ مُتَبَايِنَةً وَادَّعَتْ كُلُّ فُرْقَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَ آيَةٍ أَوْ ظَاهِرَ سُنَّةٍ وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَنُوَضِّحُهُ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنَ الْآثَارِ وَالْأَقْوَالِ عَنِ السَّلَفِ والخلف إن شاء الله
وقد سَأَلَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْفَقِيهَ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا أَجَابَهُ فِيهِ بِأَكْثَرِ مِنْ أَنْ قَالَ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِالْجِهَادِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ بن الْمُبَارَكِ يُفَسِّرُهُ آخِرُ الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ في تفصيل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وبن الْمُبَارَكِ وَلَمْ يَزِدْ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَا عن غيرهما
وأما ما ذكره عن بن الْمُبَارَكِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مُقْنِعٌ مِنَ التَّأْوِيلِ وَلَا شَرْحُ مَذْهَبٍ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَلَكِنَّهَا جُمْلَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوفِ عَنِ الْقَطْعِ فِيهِمْ بِكُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ أَوْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ مَا لَمْ يَبْلُغُوا
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَأَظُنُّهُ حَادَ عَنِ الْجَوَابِ إِمَّا لِإِشْكَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ لِكَرَاهَةِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ النَّاسُ بِالْجِهَادِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ وَالْأَحْنَفِ جَمِيعًا عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ