قَالَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَابْتَدَأَ خَلْقَ السَّحَرَةِ عَلَى الْهُدَى وَعَمِلُوا بِعَمَلِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ إِلَى الْهُدَى وَالسَّعَادَةِ وَتَوَفَّاهُمْ عَلَيْهَا
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظهورهم ذريتهم) الْأَعْرَافِ ١٧٢ يَقُولُ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ الْأَرْوَاحُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ أَجْسَادُهَا
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الْأَعْرَافِ ١٧٢ الْحَدِيثَ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ (كَمَا بَدَأَكُمْ تعودون) الْأَعْرَافِ ٢٩ وَلَا فِي أَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) يَخْتِمُ لِلْعَبْدِ بِمَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ يُولَدُ حِينَ يُولَدُ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْعُقُولُ إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ مِمَّنْ يَعْقِلُ إِيمَانًا وَلَا كُفْرًا
وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ أَنَّ النَّاسَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ فِيهِ كَانَ رَفَّاعًا
عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ قَوْلَهُ يُولَدُ مُؤْمِنًا أَيْ يُولَدُ لِيَكُونَ مُؤْمِنًا وَيُولَدُ لِيَكُونَ كَافِرًا عَلَى سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ فِيهِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا يؤول إِلَيْهِ
وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَخَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ أَكْثَرُ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا يُخْتَمُ بِهِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي حِينَ طُفُولَتِهِمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ جَنَّةً أَوْ نَارًا أَوْ يَفْعَلُ كُفْرًا أَوْ إِيمَانًا
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَأَخَذَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِيثَاقًا حِينَ حَلَّفَهُمْ فَقَالَ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قَالُوا جَمِيعًا بَلَى
فَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَقَالُوا بَلَى عَلَى مَعْرِفَةٍ بِهِ طَوْعًا مِنْ قُلُوبِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ فَقَالُوا بَلَى كُرْهًا لَا طَوْعًا
قَالَ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) آلِ عِمْرَانَ