وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْآثَارُ وَجَبَ سُقُوطُ الْحُكْمِ بِهَا وَرَجَعَنَا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ إِلَّا بِذَنْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الْإِسْرَاءِ ١٥ وَقَوْلِهِ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) الزُّمْرِ ٧١
وَآيَاتُ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَنِّي أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَلَوْ عَذَّبَهُمْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُمْ وَلَكِنْ جَلَّ مَنْ تَسَمَّى بالغفور الرحيم الرؤوف الْحَكِيمِ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ إِلَّا حَقِيقَةً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
وَقَالَ آخَرُونَ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَوْلُودِ قَالَ يَقُولُ الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ لَمْ يَأْتِ كِتَابٌ وَلَا رَسُولٌ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ) طه ١٣٤ وَيَقُولُ الْمَعْتُوهُ يَا رَبِّ لَمْ تَجْعَلْ لِي عَقْلًا أَعْقِلُ بِهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا قَالَ وَيَقُولُ الْمَوْلُودُ رَبِّ لَمْ أُدْرِكْ الْعَقْلَ وَالْعَمَلَ قَالَ فَتُرْفَعُ لَهُمْ نَارٌ فَيُقَالُ لَهُمْ رُدُّوهَا وَادْخُلُوهَا قَالَ فَيَرِدُهَا أَوْ يَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ بِرُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِثْلُهُ وَمَعْنَاهُ
وَهِيَ كُلُّهَا أَسَانِيدُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَلَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا فِي التَّمْهِيدِ
وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُنْكِرُونَ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ وَلَا ابْتِلَاءٍ وَكَيْفَ يُكَلَّفُونَ دُخُولَ النَّارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَا يَخْلُو أَمْرُ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ مِنْ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا أَوْ غَيْرَ كَافِرٍ إِذَا لَمْ يَكْفُرُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا رَسُولٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ كَافِرًا جَاحِدًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ فَكَيْفَ يُمْتَحَنُونَ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِأَنْ لَمْ يَأْتِهِ نَذِيرٌ وَلَا أُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولٌ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ أَنْ يَقْتَحِمَ النَّارَ وَهِيَ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَالطِّفْلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ أَحْرَى بِأَنْ لَا يُمْتَحَنَ بِذَلِكَ
وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ النَّظَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ الْأَثَرُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute