وَبِحَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ وَهُمْ مُشَاةٌ وَرُكْبَانٌ فَقِيلَ لَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى مَا فَعَلْتَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ وَصَامَ بَعْضٌ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ صَامَ فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الَّذِي يَخْتَارُ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ فَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ وَيَبِيتُ صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَانَ مَالِكٌ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَلَمَّا اخْتَارَ الصَّوْمَ وَبَيَّتَهُ لَزِمَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفَطَرَ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ إِلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ فَأَنَّهُ قَالَ إِنْ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ كَفَّرَ لِأَنَّهُ لَا يَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى سَفَرِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى سَفَرِهِ
وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ إِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ
وَرَوَى الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ يُفْطِرُ إِنْ صَحَّ حَدِيثُ كُرَاعِ الْغَمِيمِ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُفْطِرَ الْمَسَافِرُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ
وَرَوَى عَنْهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ وَاضِحَةٌ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ جَابِرٍ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ غَيْرُ هَاتِكٍ لِحُرْمَةِ صَوْمِهِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ قَدْ دَخَلَ فِي عُمُومِ إِبَاحَةِ الْفِطْرِ
وَأَمَّا حَدِيثُ سُمَيٍّ فَهُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ التَّابِعَ الصَّاحِبَ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ لَا يُسَمِّيَهُ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلُّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ
وَقَدْ روي معنى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَابِرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute