للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُجْزِئُ مِنَ الْإِطْعَامِ عَمَّنْ يَجِبُ أَنْ يُكَفِّرَ فِيهِ عَنْ فَسَادِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ

فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْأَوْزَاعِيُّ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ

وَذَكَرَ أَنَّ الْعَرَقَ كَانَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وذلك في حديث مالك عن عطاء الخرساني عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِشْرِينَ صَاعًا

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مُرْسَلَةٍ وَمُسْنَدَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ بِنِصْفِ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ قِيَاسًا عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى

وَقَوْلُ مَالِكٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ لَا قِيَاسٌ

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي الْوَاطِئِ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ وَكَانَ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ

فَأَمَّا مَالِكٌ فَلَمْ أَجِدْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَنْصُوصًا

وَكَانَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ إِنَّهَا عَلَى الْمُعْسِرِ وَاجِبَةٌ فَإِذَا أَيْسَرَ أَدَّاهَا

وقد يخرج قول بن شِهَابٍ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ جَعَلَ إِبَاحَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَكْلَ الكفارة لعسرته رخصة له وخصوصا

قال بن شِهَابٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ

وَقِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ كَفَّارَةَ الْمُفْطِرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصِّيَامِ أَيُسْأَلُ فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ كَفَّارَةَ الْمُفْطِرِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلْهُ وَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَصَابَ فِيهِ أَهْلَهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ تَطَوَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ قَالَ لَهُ فِي شَيْءٍ أُتِيَ بِهِ كَفِّرْ بِهِ فَلَمَّا ذَكَرَ الْحَاجَةَ وَلَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ قَبَضَهُ قَالَ لَهُ كُلْهُ وَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ وَجَعَلَ التَّمْلِيكَ لَهُ حِينَئِذٍ مَعَ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>