وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْزِعَهَا
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي يَرْوِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهُ وَيَبْعَثُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ
وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إِذَا أَشْعَرَ هَدْيَهُ أَوْ قَلَّدَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ
وَقَالَ آخَرُونَ إِذَا كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ نَزْعُ الْقَمِيصِ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ كَلِبَاسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَدَّى بِإِزَارٍ أَوْ جَرَّبَهُ بَدَنِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِحُكْمِ لِبَاسِ الْمَخِيطِ
وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَنْ لِبَاسِ الْقَلَنْسُوَةِ بِالْإِحْرَامِ اللِّبَاسَ الْمَعْهُودَ وَعَنْ لِبَاسِ الرَّجُلِ الْقَمِيصَ اللِّبَاسَ الْمَعْهُودَ وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ وَقَصَدَ بِهِ إِلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِعْلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فِي إِحْرَامِهِ مِنَ اللِّبَاسِ الْمَعْهُودِ فِي حَالِ إِحْلَالِهِ
وَقَوْلُهُ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حِجَّتِكَ فَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ غَسْلِ الطِّيبِ وَنَزْعِ الْمَخِيطِ
وَهَذَا أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهِ
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ أَمَّا مَا تَمَسُّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
فَقَالَ مَالِكٌ إِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمَسُّ طِيبًا
فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمَسُّ طِيبًا وَلَا يَشُمُّهُ وَلَا يَصْحَبُ مَنْ يَجِدُ مِنْهُ رِيحَ طِيبٍ وَلَا يَجْلِسُ إِلَى الْعَطَّارِينَ
قَالَ مَالِكٌ وَأَرَى أَنْ يُقَامَ الْعَطَّارُ مِنْ بَيْنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَنْ لَا نَخْلُقَ الْكَعْبَةُ
وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَنْ مَسَّ طَيِّبًا وَانْتَفَعَ بِهِ افتدى