وَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ إِنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ مِنْ شَرْطِهِ التَّلْبِيَةُ وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ جَمِيعًا
ثُمَّ قَالَ فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يَفِقْ حَتَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ يُجْزِئْهُ إِحْرَامُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَنْ عَرَضَ لَهُ هَذَا فَقَدَ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا يَنْفَعُهُ إِحْرَامُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ
وَنَاقَضَ مَالِكٌ أَيْضًا فَقَالَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُحْرِمْ فَلَا حَجَّ لَهُ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ بِتَنَاقُضٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَفُوتُ إِلَّا بِفَوْتِ عَرَفَةَ وَحَسْبُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إِذَا أَفَاقَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَإِذَا أَحْرَمَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَوَقَفَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلَى إِحْرَامِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْنَا أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَرَضٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى أَدَائِهِ كَالْإِحْرَامِ سَوَاءٌ وَكَسَائِرِ الْفُرُوضِ لَا تَسْقُطُ إِلَّا بِالْقَصْدِ إِلَى أَدَائِهَا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ حَتَّى يُكْمِلَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِيمَنْ شَهِدَ عَرَفَةَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَمْ يَفِقْ حَتَّى انْصَدَعَ الْفَجْرُ
وَخَالَفَهُمَا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يُجِزْ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ وُقُوفًا بِعَرَفَةَ حَتَّى يُصْبِحَ عَالِمًا بِذَلِكَ قَاصِدًا إِلَيْهِ
وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَحْمَدُ وِإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَأَكْثَرُ النَّاسِ
وَاخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ لِحِجَّتِهِ مِنْ أَقْطَارِ ذِي الْحُلَيْفَةِ
فَقَالَ قَوْمٌ أَحْرَمَ مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِيهِ
وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُحْرِمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنِ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا أَحْرَمَ حِينَ أَطَلَّ عَلَى الْبَيْدَاءِ وَأَشْرَفَ عَلَيْهَا
وَقَدْ أَوْضَحَ بن عَبَّاسٍ الْمَعْنَى فِي اخْتِلَافِهِمْ
فَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهُ أَهَلَّ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى البيداء ف