فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قد أوجبت الحج والعمرة
ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى
قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْإِحْصَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهَا الْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ وَبِالسُّلْطَانِ الْجَائِرِ وَمِنْهَا بِالْمَرَضِ
وَأَصْلُ الْأَسْرِ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَالْمَنْعُ
قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ حَصَرْتُ الرَّجُلَ حَصْرًا مَنَعْتُهُ وَحَبَسْتُهُ قَالَ وَأُحْصِرَ الرَّجُلُ عَنْ بُلُوغِ مَكَّةَ وَالْمَنَاسِكِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ
هَكَذَا قَالُوا جَعَلُوا الْأَوَّلَ ثُلَاثِيًّا مِنْ حَصَرْتُ وَالثَّانِيَ رُبَاعِيًّا مِنْ أَحْصَرْتُ فِي الْمَرَضِ
وعلى هذا خرج قول بن عَبَّاسٍ لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يقل لا إحصار إِلَّا إِحْصَارَ الْعَدُوِّ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللغة يقال أَحْصَرَ مِنْ عَدُوٍّ وَمِنَ الْمَرَضِ جَمِيعًا وَقَالُوا حَصَرَ وَأَحْصَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَرَضِ وَالْعَدُوِّ وَمَعْنَى أَحْصَرَ حَبَسَ
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ هَذَا مِنَ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) الْبَقَرَةِ ١٩٦ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ حَبْسُهُمْ وَمَنْعُهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالْعَدُوِّ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَنَّهُ يَحُلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ سَاقَ هَدْيًا نَحَرَهُ فَقَدْ وَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أنه فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حِيلَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَرُورَةً فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ فَرْضَ الْحَجِّ
وَخَالَفَهُ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْهَدْيُ يَنْحَرُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ وَيَحِلُّ وَيَنْصَرِفُ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُحْصَرِ بَعَدُوٍّ أَنَّهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ حُصِرَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ هَدْيًا
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْهَدْيِ فَإِذَا نَحَرَهُ فِي مَوْضِعِهِ حَلَّ
وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ