وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ إِنَّمَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ إِعْلَامٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن الوقوف بالنهار لَا يَضُرُّهُ إِنْ فَاتَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَالسَّائِلُ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِالنَّهَارِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِاللَّيْلِ فَأَعْلَمَ أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِاللَّيْلِ وَقَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِالنَّهَارِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَأَنَّهُ قَدْ تَمَّ حَجُّهُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَقِفَ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ
قَالَ وَلَوْ حُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ الصَّلَاةَ بِجَمْعٍ قَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ وَقَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَلَيْلًا فَسَكَتَ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَلَيْلًا لِعِلْمِهِ بِمَا قَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ وَقَفَ نَهَارًا وَأَخَذَ مِنَ اللَّيْلِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِذِكْرِ النَّهَارِ اتِّصَالَ اللَّيْلِ بِهِ
قَالَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مَعْنَى لَيْلًا وَنَهَارًا فَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَكَانَ الْوُقُوفُ وَاجِبًا لَيْلًا وَنَهَارًا ولم يغن أحدهما عن صاحبه وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا يُجْزِئُ عَنِ الْوُقُوفِ بِالنَّهَارِ إِلَّا أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُرَاهِقًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَهُوَ مُسِيءٌ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ دَمًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا عَلَيْهِ
وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ إِلَّا مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ وَالْفَرْضَ عِنْدَهُ الْوُقُوفُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وَعِنْدَ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ كَمَا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَارًا يَتَّصِلُ لَهُ بِاللَّيْلِ
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ فَرْضٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَنَازُعِهِمْ فِي الْوَقْتِ الْمُفْتَرَضِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ بِجَمْعٍ وَكَانَ قَدْ أَتَى قَبْلَ ذَلِكَ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ يُوجِبُ أَنَّ مُشَاهَدَةَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَإِدْرَاكَ الصَّلَاةِ فِيهِ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في ذلك