بِهِ السَّيِّئَاتِ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ وَتَفَضُّلًا عَلَيْهِمْ تَرْغِيبًا فِي ذَلِكَ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ تُوُضِّئَ بِهِ مَرَّةً فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِدٍ مَاءً
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى الَّذِينَ أَجَازُوا الْوُضُوءَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ لِمَا كَانَ مَعَ الْمَاءِ الْقَرَاحِ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ كِلَا مَاءٍ كَانَ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْضًا كِلَا مَاءٍ وَوَجَبَ التَّيَمُّمُ
وَقَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ((لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ))
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَاءَ الدَّائِمَ الْكَثِيرَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ - لَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنَ الْغُسْلِ فِيهِ إِلَّا لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَقَدْ أَدَّى بِهِ فَرْضٌ وَهُوَ دَائِمٌ غَيْرُ جَارٍ
وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ إِذَا غَيَّرَهُ مِنَ الْمَاءِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ لِأَنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ طَاهِرٌ لَا يَنْضَافُ إِلَيْهِ شَيْءٌ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا كَمَا هُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِإِجْمَاعٍ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ فَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ فِي عضو بعد عضو
وإلى هذا مذهب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ
وَاخْتُلِفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَأَظُنُّهُ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ مَاءُ الذُّنُوبِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ فَقَالَ يَأْخُذُ مِنْ بَلَلِ لِحْيَتِهِ فَيَمْسَحُ بِهِ رَأْسَهُ وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ مِنْهُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ
وَقَدْ روي عن علي وبن عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ والحسن