لَيْسَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ فِي الْغَزْوِ تَكُونُ هَذِهِ حَالَهُ حَتَّى تَصِحَّ لَهُ نِيَّةٌ وَيَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ وَجْهَهُ وَمَرْضَاتَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ رِيَاءً وَلَا مُبَاهَاةً وَلَا سُمْعَةً وَلَا فَخْرًا وَلَا ابْتِغَاءَ دُنْيَا يَقْصِدُهَا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا وَهَيْئَتِهِ بدليل هذا الحديث
ومثله حديث بن عَبَّاسٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي))
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يُبْعَثُ الْمَيِّتُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا)) أَيْ يُعَادُ خَلْقُ ثِيَابِهِ لَهُ كَمَا يُعَادُ خَلْقُهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلٌ خَرَجَ عَلَى الْمَجَازِ فَكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنِ الأعمال والثياب كما يقال طاهر الثَّوْبِ وَنَقِيُّ الْجَيْبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَجَازِ مَرْوِيٌّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((يُحْشَرُ النَّاسُ عُرَاةً غُرْلًا وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ))
فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُبْعَثَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ وَشَكٍّ وَإِخْلَاصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَالْحَقِيقَةُ فِي كُلِّ مَا يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى مِنَ الْمَجَازِ لِأَنَّ الَّذِي يُعِيدُهُ خَلْقًا سَوِيًّا يُعِيدُ ثِيَابَهُ - إِنْ شَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute