للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحُجَّةُ لَهُمْ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّمْهِيدِ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَى تَوَاتُرِهَا - لَمْ تَخْتَلِفْ فِي أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا

وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَكُلُّهُمْ صَحِبَهُ بِالْمَدِينَةِ وَحُكِيَ عَنْهُ صَلَاتُهُ بِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ فِي الْوَقْتَيْنِ لَكِنْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ فِي وَقْتَيْنِ

عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُؤْخَذُ عَمَلًا لِأَنَّهُ لَا يُغْفَلُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ جَهْلُهُ وَلَا نسيانه

وقد حكى محمد بن خويز منداد الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي ((الْخِلَافِ)) أَنَّ الْأَمْصَارَ كُلَّهَا بِأَسْرِهَا لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ فِيهَا عَلَى تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا فِي حِينِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَخَّرَ إِقَامَةَ الْمَغْرِبِ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ عَنْ وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ

وَفِي هَذَا مَا يَكْفِي مَعَ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ فِي تَعْجِيلِهَا وَلَوْ كَانَ وقتها واسعا لعلم الْمُسْلِمُونَ فِيهَا كَعَمَلِهِمْ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَذَانٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤَذِّنِينَ بَعْدَ ذَلِكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ اتِّسَاعُ الْوَقْتِ

وَفِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهَا وَقْتًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

وَلَوْ وَسَّعَ لَهُمْ لَاتَّسَعُوا لِأَنَّ شَأْنَ الْعُلَمَاءِ الْأَخْذُ بِالتَّوْسِعَةِ

وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَالتَّرْغِيبِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَالْبَدَارُ إِلَى الْوَقْتِ الْمُخْتَارُ

وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا فِي ((التَّمْهِيدِ)) وَذَكَرْنَا الْآثَارَ الْمُسْنَدَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى هُنَاكَ أَيْضًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لِلْمُقِيمِ مَغِيبُ الشَّفَقِ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِي الشَّفَقِ

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَمَّا فِي الْحَضَرِ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يُصَلِّيَ حَتَّى يَذْهَبَ الْبَيَاضُ وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِذَا ذَهَبَتِ الْحُمْرَةُ

وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِغَيْرِ أَصْحَابِ الضَّرُورَاتِ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ أَلَّا يُعَجِّلُوا بِهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالنَّاسِ وَتَأْخِيرُهَا قَلِيلًا أَفْضَلُ عِنْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>