بِثُلُثِهَا وَيَدَّخِرَ ثُلُثَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((كَلُّوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا))
وَكَانَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الِاسْتِحْبَابِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
وَكَانَ غَيْرُهُ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ نِصْفًا وَيُطْعِمَ نِصْفًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْهَدَايَا (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الْحَجِّ ٣٦
وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِدُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَيَقُولُ يَأْكُلُ وَيَتَصَدَّقُ
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا اسْتِحْبَابٌ لَا إِيجَابٌ حَدِيثُ ثَوْبَانَ قَالَ ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ يَا ثَوْبَانَ! أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ
وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ هَذَا ادِّخَارُ لَحْمِ الضَّحِيَّةِ وَأَكْلُهُ
وَفِيهِ الضَّحِيَّةُ فِي السَّفَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الِانْتِبَاذِ فَانْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَإِنَّهُ أَرَادَ الِانْتِبَاذَ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ النَّقِيرُ وَالْمُزَفَّتُ وَالدُّبَّاءُ وَالْحَنْتَمُ وَالْجَرُّ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنْ طِينٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْعِيَةَ إَذَا تَكَرَّرَ فِيهَا الِانْتِبَاذُ أَسْرَعَتْ إِلَى مَا يُنْبَذُ فِيهِ الشِّدَّةُ
وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ بِالنَّهْيِ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ السَّلَفِ الصَّالِحِ يَنْتَبِذُونَ فِي أَسْقِيَةِ الْأُدُمِ خَاصَّةً لِأَنَّهَا لَا تُسْرِعُ الشِّدَّةُ إِلَى مَا يُنْتَبَذُ فِيهَا
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يُجَوِّزَانِ الِانْتِبَاذَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْعِيَةِ غَيْرَ الْأَسْقِيَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا رَوَيَا النَّهْيَ عَنْهَا وَلَمْ يَرْوِيَا النَّسْخَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِيهِمَا عَلَى مَا عَلِمَا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سفيان الثوري فلم يجز الانتباذ في الدبا وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَكْرَهُ الِانْتِبَاذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَةِ
وقال بن القاسم كره مالك الانتباذ في الدبا وَالْمُزَفَّتِ وَلَمْ يَكْرَهْ غَيْرَ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ إِنَّمَا كَرِهُوا الِانْتِبَاذَ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمُسَمَّاةِ فِي