قَالَ أَبُو عُمَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى أَنَّ النِّكَاحَ مُنْعَقِدٌ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ الْمَالِكَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا وَوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَوْ رِضَا الْوَلِيَّيْنِ فِي الصِّغَارِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْبَوَالِغِ الْكِبَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِهِ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ
وَلَيْسَ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ عَقْدِ النِّكَاحِ
وَيَجُوزُ عَقْدُهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ
وَالْحُجَّةُ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ الْبُيُوعَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ الْعَقْدِ قَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ الْبُيُوعِ فَالنِّكَاحُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ فِيهِ الْإِشْهَادَ أَحْرَى بِأَنْ لَا يَكُونَ الْإِشْهَادُ فِيهِ مِنْ شُرُوطِ فَرَائِضِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ الْإِعْلَانُ وَالظُّهُورُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَالْإِشْهَادُ يَصْلُحُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلتَّدَاعِي وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا يَنْعَقِدُ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ((أَعْلِنُوا النِّكَاحَ))
وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا هُوَ قول بن شِهَابٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ أَقَلُّ ذَلِكَ شَاهِدَا عَدْلٍ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ شُهُودُ النِّكَاحِ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْجُرْحَةُ فِي حِينِ الْعَقْدِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ أَعْمَيَيْنِ وَمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَفَاسِقَيْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِعْلَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي النِّكَاحِ هُوَ الْإِشْهَادُ فِي حِينِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْإِعْلَانِ الْعَدَالَةَ
وَرُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ
وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصحابة علمته
وعن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ الْبِغَاءُ اللَّوَاتِي يُزَوِّجْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبَغِيَّ لَوْ أَعْلَنَتْ بِبَغْيِهَا حُدَّتْ وَلَمْ يَدْخُلْ إِعْلَانُهَا زِنَاهَا فِي بَابِ إِعْلَانٍ كَمَا أَنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ