للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لَا خِيَارَ لِزَوْجَةِ الْعِنِّينِ إِذَا ذَهَبَتِ الْعُنَّةُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهَا بِفِرَاقِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُيُوبِ زَوَالُهَا يَنْفِي الْخِيَارَ

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا

وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْأَمَةَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي إِنْكَاحِ مَوْلَاهَا إِيَّاهَا رَأْيٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً فَلَمَّا عُتِقَتْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ

أَلَا تَرَى إِلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا فَإِذَا كَانَتْ حُرَّةً كَانَ لَهَا الْخِيَارُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي حَالِ أُمُوَّتِهَا

قَالُوا وَقَدْ وَرَدَ تَخْيِيرُ بَرِيرَةَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ لَهَا إِنَّمَا وَجَبَ لَكِ الْخِيَارُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ زَوْجِكِ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

قَالُوا وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ((قَدْ مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارِي))

قَالُوا فَكُلُّ مَنْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا اخْتَارَتْ تَحْتَ حُرٍّ كَانَتْ أَوْ عَبْدٍ

وَرَوَوْا عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا

ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ فَعَتَقَتْهَا فَخَيَّرَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ

وَرَوَوْا عَنْ سَعِيدِ بن المسيب مثله

وهو قول مجاهد وبن سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ تُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ

وَقَالُوا مَنْ قَالَ إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا فَقَوْلُهُ أَوْلَى لِأَنَّ الرِّقَّ ظَاهِرٌ وَالْحُرِّيَّةَ طَارِئَةٌ وَمَنْ أَنْبَأَ عَنِ الْبَاطِنِ كَانَ الشَّاهِدُ دُونَ غَيْرِهِ

قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَرِيرَةَ ((قَدْ مَلَكْتِ نَفْسَكِ فاختاري)) فإنه خطاب ورد في من كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ

فَأَمَّا مَنْ أُعْتِقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَمْ تَمْلِكْ بِذَلِكَ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُرِّيَّتِهَا شَيْءٌ يُوجِبُ مِلْكَهَا لِنَفْسِهَا

وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا فَقَدْ عَارَضَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ بَلْ هُوَ أَلْصَقُ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ بِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>