وَكَذَلِكَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ إِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْعَجَمِ وَاخْشَوْشِنُوا
وَلَمْ يُرِدْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْرِيمَ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَحْظُرُ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْلَى مَا امْتَثَلَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) الْأَعْرَافِ ٣٢
يَعْنِي الْحَلَالَ
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((سَيِّدُ آدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ))
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا بَيَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَكَانَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ لِمَا فِي الْهَدِيَّةِ مِنْ تَآلُفِ الْقُلُوبِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَجَائِزٌ عَلَيْهَا الثَّوَابُ فَتَرْتَفِعُ الْمِنَّةُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا خَيْرًا مِنْهَا فَتَرْتَفِعُ الْمِنَّةُ
وَالْآثَارُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ كَثِيرَةٌ جِدًّا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ ((التَّمْهِيدِ)) مَا فِيهِ كِفَايَةٌ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ))
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَلَمَّا كَانَتِ الصَّدَقَةُ يَجُوزُ فِيهَا التَّصَرُّفُ لِلْفَقِيرِ لِلْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْعِوَضِ وَغَيْرِ الْعِوَضِ بِصِحَّةِ مِلْكِهِ لَهَا وَأَهْدَتْهَا بَرِيرَةُ إِلَى بَيْتِ مَوْلَاتِهَا عَائِشَةَ حَلَّتْ لَهَا وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالْهَدِيَّةِ إِلَيْهِ وَتَحَوَّلَتْ عَنْ مَعْنَى الصَّدَقَةِ بِمِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بِهَا إِلَى مَعْنَى الْهَدِيَّةِ الْحَلَالِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَكَذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ)) يَعْنِي مِمَّنْ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهَا وَهِيَ لَنَا مِنْ قِبَلِهَا هَدِيَّةٌ جَائِزٌ أَنْ يُثِيبَهَا عَلَيْهَا بِمِثْلِهَا وَبِأَضْعَافِهَا عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَأْنُ الصَّدَقَةِ