للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْتَبَرُ فِي رَفْعِ الْعِصْمَةِ الْتِعَانُهَا وَهِيَ مُكَذِّبَةٌ لزوجها وفي وُقُوعِ النَّسَبِ الْمُوجِبِ لِلْفِرَاقِ أَمْ كَيْفَ يَرْتَفِعُ النَّسَبُ وَيَنْفَى النِّكَاحُ

وَحُجَّةُ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ بِتَمَامِ اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما حديث بن عُمَرَ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَأَضَافَ الْفُرْقَةَ إِلَيْهِ لَا إِلَى اللِّعَانِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يَقُولَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا وَيُعْلِمَ مَنْ حَضَرَهُ بِذَلِكَ وَيُشْهِدَهُمْ

قَالُوا وَلَمَّا كَانَ اللِّعَانُ مُفْتَقِرًا إِلَى حُضُورِ الْحَاكِمِ كَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى تَفْرِيقِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعِنِّينِ لِأَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ

وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى طَلَاقٍ وَأَنَّ حُكْمَهُ وَسُنَّتَهُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إِمَّا بِاللِّعَانِ وَإِمَّا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ

وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَا يُنْقِصُ اللِّعَانُ شَيْئًا مِنَ الْعِصْمَةِ حَتَّى يُطَلِّقَ الزَّوْجُ

وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَتَقَدَّمِ الْبَتِّيَّ إِلَيْهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَا لَهُ مِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالسُّنَنِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ طَلَاقَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ بَعْدَ تَمَامِ الْتِعَانِهَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْسَنْتَ وَلَا فَعَلْتَ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْكَ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ وَاجِبًا وَمُحْتَاجًا إِلَيْهِ لِبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ مُعَلِّمًا وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ لَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ ((لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا)) عِنْدَ تَمَامِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ طَلَاقَ الْعَجْلَانِيِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى إِلَّا قَوْلَهُ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عِنْدَ نَفْسِهِ عَلَى صِدْقِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَدْخُلُ دَاخِلُهُ فِي حُكْمِهِ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَلَا نَهَاهُ وَلَا أَمَرَهُ لِأَنَّ طَلَاقَهُ كَانَ لَا مَعْنَى لَهُ وقد بان في حديث بن وَهْبٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ عن بن شِهَابٍ أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ مَالِكٍ بِإِثْرِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ فَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إِنَّمَا أَرَادَ الْفُرْقَةَ وَأَلَّا يَجْتَمِعَا أَبَدًا

كَذَلِكَ ذكره بن وهب عن عياض عن بن شِهَابٍ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ فِي اللِّعَانِ وَسَاقَهُ كَنَحْوِ سِيَاقَةِ مَالِكٍ لَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ ومضت سنة المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا

<<  <  ج: ص:  >  >>