تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ
وَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ إِذَا أَنْتَ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ وَهِيَ حَائِضٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهَذَا وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ وَعَصَيْتَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ
وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى سُنَّتِهَا وَإِنَّمَا هِيَ زَوَالُ عِصْمَةٍ فِيهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَكَيْفَمَا أَوْقَعَهُ عَلَى سُنَّتِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهِ وَقَعَ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ أَوْقَعَهُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ مَا أَوْقَعَ مِنْهُ
وَمُحَالٌ أَنْ يلزم المطيع المتبع للسنة طلاقه ولا يَلْزَمُ الْعَاصِيَ الْمُخَالِفَ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْمُطِيعَ لَمْ يَكُنِ الْعَاصِي لَكَانَ الْعَاصِي أَحْسَنَ حَالًا وَأَحَقَّ مِنَ الْمُطِيعِ
وَقَدِ احْتَجَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَازِمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطَّلَاقِ ١ يَقُولُ عَصَى رَبَّهُ وَفَارَقَ امْرَأَتَهُ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ حَائِضًا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا إِنْ أَبَى ذَلِكَ
فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يُجْبَرُ عَلَى رَجْعَتِهَا إِذَا طَلَّقَهَا وَفِي الْحَيْضِ أَوْ فِي دَمِ النِّفَاسِ حَمَلُوا الْأَمْرَ وَذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَاسُوا النِّفَاسَ عَلَى الْحَيْضِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وبن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وإسحاق وبن شُبْرُمَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيُّ يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ
وَقَالَ دَاوُدُ كُلُّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا نُفَسَاءَ لَمْ يُجْبَرْ على رجعتها
قال أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إِذَا انْقَضَتْ عَدَّتُهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى رَجْعَتِهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمُرَاجَعَتِهَا نَدْبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ يُجْبَرُ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ عَلَى الرَّجْعَةِ فِي