هَكَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ))
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ الذَّكَرَ الْعَمَّ وَلَوْلَا لَبَنُ الْفَحْلِ مَا ذُكِرَ الْعَمُّ لِأَنَّ بِمُرَاعَاةِ لَبَنِ الرَّجُلِ صَارَ أَبًا فَصَارَ أَخُوهُ عَمًّا
فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْفَحْلِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ عَمُّ حَفْصَةَ الْمَذْكُورُ قَدْ أَرْضَعَتْهُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَارَ عَمًّا لحفصة
فالجواب أن قوله ((إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ)) يَقْضِي بِتَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْأَبَ لَمْ يَلِدْ أَوْلَادَهُ بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ كَمَا صَنَعَتِ الأم وإنما وَلَدَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ مَائِهِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ الْحَمْلُ وَاللَّبَنُ فَصَارَ بِذَلِكَ وَالِدًا كَمَا صَارَتِ الْأُمُّ بِالْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ أُمًّا فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا طِفْلًا كَانَتْ أُمَّهُ وَكَانَ هُوَ أَبَاهُ
وَهَذَا يُوَضِّحُ وَيَرْفَعُ الْإِشْكَالَ فِيهِ
وَبَعْدَ هَذَا جَعَلَهُ مَالِكٌ بَعْدَهُ فِي الْبَابِ مُفَسِّرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
١٢٣٤ - مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ عَلَيَّ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ((إِنَّهُ عَمُّكِ فَأْذَنِي لَهُ)) قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ فَقَالَ ((إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ)) قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا أَوْضَحُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَشَدُّ بَيَانًا وَرَفْعًا لِلْإِشْكَالِ
أَلَا تَرَى لِقَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ فَيَكُونُ أَبِي وَيَكُونُ أَخُوهُ عَمِّي فَأَجَابَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا أَرْضَعَتْكِ صَارَتْ أُمَّكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute