للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ الْعَرَبُ إِذَا دَهَمَتْهُمْ سَنَةٌ تَطَوَّعَ أَهْلُ النَّخْلِ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ لَا نَخْلَ لَهُ فَيُعْطِيهِ مِنْ ثَمَرِ نَخْلِهِ مَا سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَمِنْهُمُ الْمُقِلُّ وَمِنْهُمُ الْمُكْثِرُ

وَالْمَصْدَرُ مِنْ ذَلِكَ ((الْإِعْرَاءُ)) وَهُوَ مِثْلُ الْإِقْفَارِ وَالْإِحْبَالِ وَالْمِنْحَةِ

وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ أَصْحَابِنَا ((الْعُمْرَى)) وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْعُمْرَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ الْخَلِيلُ الْعَرِيَّةُ مِنَ النَّخْلِ الَّتِي تُعَرَّى عَنِ الْمُسَاوَمَةِ عِنْدَ بَيْعِ النَّخْلِ وَالْفِعْلِ ((الْإِعْرَاءُ)) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَرَتَهَا لِمُحْتَاجٍ وَكَانَتِ العرب تمتدح بها

قال بعض شعراء الأنصار يَصِفُ نَخْلَةً

لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْمَوَاحِلِ

وَالسَّنْهَاءُ مِنَ النَّخْلِ الَّتِي تَحْمِلُ سَنَةً وَتَحُولُ سَنَةً وَالرَّجَبِيَّةُ الَّتِي تَمِيلُ بِضَعْفِهَا فَتُدَعَّمُ مِنْ تَحْتِهَا وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ فَمَدَحَ الشَّاعِرُ نَخْلَةً بِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ

وَأَمَّا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا أَصِفُهُ لَكَ بِعَوْنِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

فَمِنْ ذلك أن بن وَهْبٍ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قال العرية الرجل يُعْرِي الرَّجُلُ النَّخْلَةَ أَوِ النَّخَلَاتِ يُسَمِّيهَا لَهُ مِنْ مَالِهِ لِيَأْكُلَهَا فَيَبِيعُهَا بِتَمْرٍ

قَالَ لَمْ يَقُلْ يَبِيعُهَا مِنَ الْمُعْرَى وَلَا خَصَّ أَحَدًا

وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قال حدثني هناد عن عبدة عن بن إِسْحَاقَ قَالَ الْعَرَايَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخَلَاتِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا فَيَبِيعُهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا

وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ الِاقْتِضَاءُ عَلَى الْمُعْرِي فِي الْبَيْعِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ

فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا وَجَعَلُوا الرُّخْصَةَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا يَبِيعُهَا الْمُعْرِي مِمَّنْ شَاءَ رِفْقًا بِهِ وَرُخْصَةً لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>