هَذَا وَلَا يَصْلُحُ الصَّرْفُ إِلَّا عِنْدَ الْإِيجَابِ بِالْكَلَامِ وَلَوِ انْتَقَلَا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ تَقَابُضُهُمَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا يَجُوزُ التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَبَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ وَانْتَقَلَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ
وَحُجَّةُ مَالِكٍ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ)) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ لَا عَلَى التَّرَاخِي
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ لِطَلْحَةَ وَاللَّهِ لَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَأْخُذَ وَقَالَ أَيْضًا وَلَوِ استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره فَدَلَّ عَلَى الْمُفَارَقَةِ بِالْأَبْدَانِ
١٢٨٨ - مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ لَا رِبَا إِلَّا فِي ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ أَعْلَمَ بِالْبُيُوعِ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَإِنَّمَا أَخَذَ رَبِيعَةُ الْعِلْمَ بِهَا مِنْهُ
وَرَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى كَثِيرٌ مِنْ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ
وَجُمْلَةُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَدْخُلُهُمَا الرِّبَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ وَهُمَا التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ فَلَا يَجُوزُ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَذَلِكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ
فَأَمَّا الْجِنْسَانِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَالذَّهَبِ بِالْوَرِقِ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا النَّسِيئَةُ بِإِجْمَاعٍ أَيْضًا مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ بَيْعِ الْفَاكِهَةِ
وَأَمَّا مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ نَحْوِ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى وَالْحِنْطَةِ وَالْكَتَمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ