تَبَايَعَا فِيهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - إِنْ شَاءَ - فَسَخَ الْبَيْعَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ مَا دَامَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ بَيْعَهُمَا إِلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِنْ شِئْتَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوْ رَدَّهُ فَإِنِ اخْتَارَ وَجْهًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَانْقَطَعَ عَنْهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى خِيَارِ مُدَّةٍ يَجُوزُ الْخِيَارُ إِلَيْهَا كَانَا عَلَى مَا عَقَدَا مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَضُرَّهُمَا التَّفَرُّقُ
وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي مُدَّةِ أَيَّامِ الْخِيَارِ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْجَمِيعِ
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَالِكِيِّينَ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي ((الْمُوَطَّأِ)) بِأَكْثَرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا
قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ))
فَقَالَ بَعْضُهُمْ دَفَعَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى الْخِلَافِ بِهِ فَلَمَّا لم ير أحد يَعْمَلُ بِهِ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ وَإِجْمَاعُهُمْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
قَالَ وَإِجْمَاعُهُمْ عِنْدَ مَالِكٍ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا مَوْجُودٌ بِهَا
قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ أَيْ لَيْسَ لِلْخِيَارِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَهُ لَيْسَ مَحْدُودًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا حَدَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ هُوَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَبِيعِ فَمَرَّةً يَكُونُ ثَلَاثَةً وَمَرَّةً أَقَلَّ وَمَرَّةً أَكْثَرَ وَلَيْسَ الْخِيَارُ فِي الْعَقَارِ كَهُوَ فِي الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَصِحُّ دَعْوَى إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَعْلُومٌ
وَأَيُّ إِجْمَاعٍ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانَ الْمُخَالِفُ فِيهَا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وبن شهاب وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُمْ وَهَلْ جَاءَ فِيهَا مَنْصُوصًا الْخِلَافُ إِلَّا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ ربيعة فيما ذكر بعض الشافعيين
وقال بن أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مِنْ جِلَّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْبَيِّعَيْنِ لَيْسَا