للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَرْضِ إِنْ شَاءَ قَسَمَهَا وَأَهْلَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ كَمَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ وَتَكُونُ مِلْكًا لَهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا كَسَائِرِ مَا يَمْلِكُونَ

وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَا يَرَى الْإِمَامَ مُخَيَّرًا فِي ذَلِكَ وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ عِنْدَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكَةُ عِنْدَهُ أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا أَهْلَهَا

وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي (التَّمْهِيدِ)

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقْسِمُ الْأَرْضَ فِي كُلِّ مَا افْتَتَحَ عَنْوَةً كَمَا يَقْسِمُ سَائِرَ الْغَنَائِمِ وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمُوجِفِينَ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَالْفَتْحَ مِنْ مُقَاتِلٍ وَمُكْتَرٍ بَالِغٍ حُرٍّ

وَإِنَّمَا الْخُمُسُ عِنْدَهُ الْمَقْسُومُ عَلَى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ

وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعَانِيَ الْخُمُسِ وَاخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ها هنا طَرَفًا مِنْ أَحْكَامِ الْأَرَضِينَ الْمُفْتَتَحَاتِ عَنْوَةً لِمَا جَرَى مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ

وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الْآيَةَ الْأَنْفَالِ ٤١ يَعْنِي وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ فملكهم كل ما غنموا من ارض وغيرها مَعَ مَا رُوِيَ فِي خَيْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَهَا بَيْنَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَهُمُ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ (أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ) فَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ يُحِبُّ أَلَّا يَكُونَ فِيهَا دِينَانِ كَنَحْوِ مَحَبَّتِهِ فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ حَتَّى نَزَلَتْ (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قبلة ترضها) الْآيَةَ الْبَقَرَةِ ١٤٤

وَكَانَ لَا يَتَقَدَّمُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِوَحْيٍ وَكَانَ يَرْجُو أَنْ يُحَقِّقَ اللَّهُ رَغْبَتَهُ فِي إِبْعَادِ الْيَهُودِ عَنْ جِوَارِهِ فَذَكَرَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ مَا ذَكَرَ مُنْتَظِرًا لِلْقَضَاءِ فِيهِمْ فَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ (لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ) وَأَوْصَى بِذَلِكَ

وَالشَّوَاهِدُ بِمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ جَدًا مِنْهَا مَا ذكره معمر عن بن شهاب عن بن

<<  <  ج: ص:  >  >>