وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي رُؤُوسِ الشَّجَرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِمْ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَنَذْكُرُ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا فِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ
فَقَالَ مَالِكٌ الْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ وَالْمُزَارَعَةُ لَا تَجُوزُ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي رِوَايَةٍ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمْ إِعْطَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ أَوْ جُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ
إِلَّا أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ مِنَ الْمُزَارَعَةِ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مَا كَانَ مِنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ إِذَا كَانَ تَبَعًا لِثَمَنِ الشَّجَرِ وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ بَيْنَ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَالنَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ وَيَكُونُ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ لِلْعَامِلِ أَوْ بَيْنَهُمَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ وَلَا الْمُسَاقَاةُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَادَّعَوْا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَأَنَّ الْمُزَارَعَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الْإِجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ ببعض ما تخرج ونحو هذا
وقال بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ جَمِيعًا
وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَى يَهُودُ خَيْبَرَ عَلَى شَرْطِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ وَالثَّمَرَةِ
وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ فِي بَابِ كِرَاءِ الْأَرْضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ
فَقَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ أَصْلٍ ثَابِتٍ يَبْقَى نَحْوُ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ وَالتِّينِ وَالْفِرْسِكِ وَالْعِنَبِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالزَّيْتُونِ وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ يَبْقَى
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي كُلِّ مَا يُجْنَى ثُمَّ يَخْلُفُ نَحْوُ الْقَصَبِ وَالْمَوْزِ وَالْبُقُولِ لِأَنَّ بَيْعَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبَيْعُ مَا يُجْنَى بَعْدَهُ
قَالَ مَالِكٌ وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ إِذَا اسْتَقَلَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَجَزَ صَاحِبُهُ عَنْ سَقْيِهِ وَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالِ بَعْدَ عَجْزِ صَاحِبِهِ عَنْ سَقْيِهِ