قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ بَيْنِ مُجِيزِي الْمُسَاقَاةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زِيَادَةٌ يَزْدَادُهَا عَلَى جُزْئِهِ الْمَعْلُومِ لِأَنَّهُ - حِينَئِذٍ - يَعُودُ الْجُزْءُ مَجْهُولًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى جُزْءٍ مَجْهُولٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ ثُلُثٍ أَوْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْمَعْلُومَاتِ فِيمَا يُخْرِجُهُ إِلَيْهِ فِي الثَّمَرَةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقِرَاضِ أَيْضًا
قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي الرَّجُلَ الْأَرْضَ فِيهَا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ يَكُونُ فِيهَا الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ
قَالَ مَالِك إِذَا كَانَ الْبَيَاضُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَعْظَمَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَا بَأْسَ بِمُسَاقَاتِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّخْلُ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ حِينَئِذٍ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ
ثُمَّ ذَكَرَ إِلَى آخَرِ الْبَابِ هَذَا الْمَعْنَى مُكَرَّرًا وَشَبَّهَهُ بِالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ يَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا الْحِلْيَةُ مِنَ الْوَرِقِ فَيُبَاعُ بِالْوَرِقِ إِذَا كَانَ الْوَرِقُ بَيْعًا لِلنَّصْلِ وَالْمُصْحَفِ وَكَذَلِكَ الْقِلَادَةُ والخاتم وذلك ان يكون الثلث فادنى على مَا ذَكَرَ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مَعَ الْأُصُولِ
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بَيْنَ السَّلَفِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ
فَأَمَّا مُسَاقَاةُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ أُصُولَ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ جُمْلَةً وَمَنْ أَجَازَهَا فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ لِأَنَّهُ يُجِيزُ الْمُسَاقَاةَ مَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَقَاوِيلَ بِذَلِكَ
وَمَنْ لَا يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ قَدِ اخْتَلَفَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدْ أَوْضَحَهُ فِي (مُوَطَّئِهِ)
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدْ أَبْطَلَ الْمُزَارَعَةَ فِي قَلِيلِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُخَابَرَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى نَخْلٍ فَكَانَ فِيهِ بَيَاضٌ لَا يُوصَلُ إِلَى عَمَلِهِ إِلَّا بِالدُّخُولِ عَلَى النَّخْلِ وَكَانَ لَا يُوصَلُ إِلَى سَقْيِهِ إِلَّا بِتَرْكِ النَّخْلِ فِي الْمَاءِ وَكَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ جَازَ أَنْ يُسَاقِيَ عَلَيْهِ مِنَ النَّخْلِ إِلَّا مُنْفَرِدًا وَحْدَهُ
وَلَوْلَا الْخَبَرُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ النَّخْلَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ