للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا عِلْمٌ صَحِيحٌ مُتَيَقِّنٌ مُتَبَيَّنٌ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ) يَعْنِي أَفْطَنَ لَهَا وَأَجْدَلَ بِهَا

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ اللَّحَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْفِطْنَةُ وَاللَّحْنُ بِجَزْمِ الْحَاءِ الْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ

وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِي إِنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْخَصْمِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ إِنْكَارٍ أَوْ بَيِّنَاتٍ عَلَى حَسَبِ مَا أَمْكَنَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ

وَفِيهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِكُلِّ مَا يُقِرُّ بِهِ عِنْدَهُ (الْمُقِرُّ) لِمَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَقْضِيَ (لَهُ بِمَعْنَى أَقْضِي) عَلَيْهِ بِمَا أَسْمَعُ مِنْهُ يُرِيدُ أَوْ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ مِمَّا يَحْتَاجُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ

وَلَوْ أَقَرَّ الْمُقِرُّ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ بِمَا قَدِ اسْتَوْعَبَ سَمَاعَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَحَدَ الْمُقِرُّ إِقْرَارَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَهُ ذَلِكَ (شَهِيدَانِ وَجَبَ عَلَى (الْقَاضِي) الْحَاكِمِ (الْقَضَاءُ) بِمَا سَمِعَ حَضَرَهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ

هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ

وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَحْضُرَهُ شَاهِدَانِ وَأَجَازَ فِي ذَلِكَ شَهَادَةَ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ ما شهد به الشهود على ما شهدوا به ان ينفد عِلْمُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ شَهَادَتِهِمْ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ عِنْدَهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ

وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا رَدٌّ وَإِبْطَالٌ (لِلْحُكْمِ بِالْهَوَى وَبِالظُّنُونِ أَيْضًا)

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سبيل الله) الاية ص ٢٦

وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي رَدِّ حُكْمِ الْقَاضِي (بِعِلْمِهِ) لِقَوْلِهِ (فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَى نَحْوِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ أَوْ مِنْ قِصَّتِهِ

قَالَ وَإِنَّمَا تُعُبِّدْنَا بِالْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَهُوَ الْمَسْمُوعُ الَّذِي قَالَ فِيهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (إِنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ) وَذَلِكَ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْمُقِرِّ فِي مجلس الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>