للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ عَابَ قَوْلَنَا هَذَا عَائِبٌ تَرَكَ فِيهِ مَوْضِعَ حُجَّتِنَا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارِ بَعْدَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَزَعَمَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ لَا يَرَى الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنَّا رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ وَخَالَفْنَاهُ إِلَى قَوْلِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ

قَالَ وَهَذَا مَرْوَانُ يَقُولُ لِزَيْدٍ - وَهُوَ عِنْدَهُ أَحْظَى أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَرْفَعُهُمْ لَدَيْهِ مَنْزِلَةً - (لَا وَاللَّهِ إِلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ)

قَالَ فَمَا مَنَعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَوْ يَعْلَمُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَقٌّ أَنْ يَقُولَ لِمَرْوَانَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا وَقَدْ قَالَ لَهُ أَتُحِلُّ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ فَقَالَ مَرْوَانُ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَمَا هَذَا فَقَالَ فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَنْتَزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَإِذَا كَانَ مَرْوَانُ لَا يُنْكِرُ عَلَى زَيْدٍ هَذَا فَكَيْفَ يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ! لَقَدْ كَانَ زَيْدٌ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَيْنِ مَرْوَانَ وَآثَرِهِمْ عِنْدَهُ وَلَكِنَّ زَيْدًا عَلِمَ أَنَّ مَا قَضَى بِهِ مَرْوَانُ حَقٌّ وَكَرِهَ أَنْ تُصْبَرَ يَمِينُهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَالَّذِي نَقَلَ الْحَدِيثَ فِيهِ كَأَنَّهُ تَكَلَّفَ لِاجْتِمَاعِنَا عَلَى الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ لَقَدْ كَانَ زَيْدٌ مِنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِنْهَا الْحَدِيثُ عن المهاجر بنابي أُمَيَّةَ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ فِي وِثَاقٍ فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ بِهِ فَجَعَلَ قَيْسٌ يَحْلِفُ مَا قَتَلَ دَاذَوَيْهِ فَأَحْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ خَمْسِينَ يَمِينًا عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ مَا قَتَلَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ وَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ مَا بَانَ بِهِ ما ذهبا إليه هما واصحابهما

وقال بن أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْحُقُوقِ لَا يَحْلِفُ فِيهَا عِنْدَ مِنْبَرٍ إِلَّا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْحُقُوقِ فِيمَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الْحُقُوقِ وَأَمَّا سَائِرُ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فِيهَا وَلَا يَحْلِفُونَ عِنْدَ مَنَابِرِهَا

واما ابو حنيفة فذكر الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالُوا لَا يَجِبُ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ مِنْبَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ وَلَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ عَلَى أَحَدٍ فِي قَلِيلِ الْأَشْيَاءِ وَلَا كَثِيرِهَا وَلَا فِي الدِّمَاءِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْحُكَّامَ يُحَلِّفُونَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي مَجَالِسِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>