وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمَانَةُ لِأَنَّ الْأَمِينَ يَأْخُذُهَا لِمَنْفَعَةِ رَبِّهَا وَذَلِكَ حِفْظُهَا عَلَيْهِ وَحِرَاسَتُهَا لَهُ
قَالُوا وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ) أَيْ أَجْرُ ظَهْرِهِ لِرَبِّهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ رِبًا مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ يَلِي الرُّكُوبَ وَالْحِلَابَ لِأَنَّهُ كَانَ يَصِيرُ - حِينَئِذٍ - الرَّهْنُ عِنْدَهُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَالرَّهْنُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا وَلَوْ رَكِبَهُ لَخَرَجَ مِنَ الرَّهْنِ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَهُمْ (لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ) أَيْ لَا يَكُونُ غُنْمُهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَكِنْ يَكُونُ لِلرَّاهِنِ وَغُنْمُهُ عِنْدَهُمْ مَا فَضَلَ مِنَ الدَّيْنِ وَغُرْمُهُ مَا نَقَصَ مِنَ الدَّيْنِ
وَهَذَا كُلُّهُ أَيْضًا عِنْدَهُمْ فِي سَلَامَةِ الرَّهْنِ لَا فِي عَطَبِهِ
وَالرَّهْنُ عِنْدَهُمْ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا قِيمَتِهِ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمَّا كَانَ أَحَقَّ بِالرَّهْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فِي الْفَلْسِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمَانَةً لَمْ يَكُنِ الْمُرْتَهِنُ أَحَقَّ بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ) قَوْلٌ عَامٌّ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ مَا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ مِمَّا لَا يَظْهَرُ وَمَا يُعَابُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يُعَابُ عَلَيْهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِمَا لَا يُعَضِّدُهُ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ
وَلَوْ عُكِسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى قَائِلِهِ فَقِيلَ مَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ لَا يَكُونُ أَمَانَةً لِأَنَّهُمَا قَدْ رَضِيَا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ أَوْ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ وَأَمَّا مَا يَخْفَى هَلَاكُهُ فَقَدْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِدَفْعِهِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَلَاكَهُ يَخْفَى فَقَدْ رَضِيَ فِيهِ أَمَانَتَهُ فَهُوَ لِأَمَانَتِهِ فَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِقَائِلِهِ مِنْ نَصِّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ
قَالَ وَلَا خِلَافَ عَلِمْتُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ مِنَ الْأَمَانَةِ وَمَا خَفِيَ سَوَاءٌ أَنَّهُ مَضْمُونٌ وَمَا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ هَلَاكُهُ مِنَ الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute