تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الرَّاهِنُ وَأَخَذَ رَهَنَهُ وَادَّعَى مَا أَقَرَّ بِهِ
وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَطَائِفَةٍ
وَحَجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِجْمَاعُهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنَ إِذَا اخْتَلَفَا فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنِ ادَّعَى مِنَ الثَّمَنِ مَا يَكُونُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ
وَالْحُجَّةُ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وجل (ولم تجدوا كاتبا فرهن مَقْبُوضَةٌ) الْبَقَرَةِ ٢٨٣ قَالَ فَجَعَلَ الرَّهْنَ بَدَلًا مِنَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَخَذَ بِحَقِّهِ وَثِيقَةً لَهُ فَكَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَبْلَغِ الْحَقِّ فَقَامَ مَقَامَ الشَّاهِدِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَتَهُ وَمَا جَاوَزَ قِيمَتَهُ فَلَا وَثِيقَةَ لَهُ فِيهِ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَ الرَّاهِنِ
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ وَتَنَاكَرَا الْحَقَّ فَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ كَانَتْ لِي فِيهِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ لَكَ فِيهِ إِلَّا عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ قِيمَةُ الرَّهْنِ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا قِيلَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ صِفْهُ فَإِذَا وَصَفَهُ أُحْلِفَ عَلَى صِفَتِهِ ثُمَّ أَقَامَ تِلْكَ الصِّفَةَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى ثُمَّ يُعْطَى الرَّاهِنُ مَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِي فِيهِ الْمُرْتَهِنُ أُحْلِفَ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ قَاصَّهُ بِمَا بَلَغَ الرَّهْنُ ثُمَّ أُحْلِفَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي بَقِيَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ مَبْلَغِ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ الرَّهْنُ صَارَ مُدَّعِيًا عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنَّ حَلَفَ بَطَلَ عَنْهُ بَقِيَّةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ مِمَّا ادَّعَى فَوْقَ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ قِيمَةِ الرَّهْنِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِهِ مُكَرَّرًا وَالْمَعْنَى لَا خَفَاءَ فِيهِ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٌ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ إِلَّا مُكَرَّرًا مُعَادًا لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَاضِحًا غَيْرَ مُشْكِلٍ عَلَى كُلِّ مُتَأَمِّلٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute