فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَبْرَأُ إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ تُوطَأُ إِلَّا بِحَيْضَةٍ تَأْتِي بِهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَرَابَةٌ
وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ إِلَّا أَنْ تَسْتَرِيبَ نَفْسَهَا رِيبَةً بَيِّنَةً لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْحَيْضِ فِي الْأَغْلَبِ مَنْ أَمْرِ النِّسَاءِ إِلَّا أَنْ تكون المراة ممن لَا تَحِيضُ أَوْ مِمَّنْ عَرَفَتْ مِنْ نَفْسِهَا أَوْ عُرِفَ مِنْهَا أَنَّ حَيْضَتَهَا لَا تَأْتِيهَا إِلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْمُسْتَرَابَةِ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مِنَ الْمَذَاهِبِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ إِلَّا فِي تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النِّكَاحِ فَمَا زَادَ إِلَى أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهَا
فَمَالِكٌ يَجْعَلُهُ خَمْسَ سِنِينَ
وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يَجْعَلُهُ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ
وَالشَّافِعِيُّ مُدَّتُهُ عِنْدَهُ الْغَايَةُ فِيهَا أَرْبَعَةُ سِنِينَ
وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ سَنَتَانِ لَا غَيْرَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَقُولُ سَنَةٌ لَا أَكْثَرَ
وَدَاوُدُ يَقُولُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ حَمْلٌ أَكْثَرُ مِنْهَا
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا إِلَّا الِاجْتِهَادُ وَالرَّدُّ إِلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَإِذَا أَتَتِ الْمَرْأَةُ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَامِلَةٍ لَمْ يُلْحَقْ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فِي حِينِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَوِ الشُّهُودِ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عُقَيْبَ الْعَقْدِ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُلْحَقُ بِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لَهُ إِذْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوَطْءُ وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا بِالْعَقْدِ الْمُجَرَّدِ حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَيْهِ إِمْكَانُ الْوَطْءِ فِي الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَالصَّغِيرِ أَوِ الصَّغِيرَةِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْوَطْءُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ فِرَاشٌ لَهُ وَيَلْحَقُهُ وَلَدُهَا إِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْفِرَاشَ ولحوق الولد به تعبدا كَمَا لَوْ رَأَى رَجُلٌ رَجُلًا يَطَأُ امْرَأَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ دُونَ الزَّانِي بِهَا إِذَا كَانَ يطاها قَبْلُ أَوْ بَعْدُ