للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ (إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَدْتُهَا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَّ فِي الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَزْنِ وَأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِهَا جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَزْنِ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ أَزِنُهَا لَهُمْ وَهَذَا عَلَى حَسَبِ سُنَّةِ الْبَلَدِ وَعِلْمِ ذَلِكَ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ بَلَدِنَا وَلَا مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا

وَالْأَصْلُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الْوَزْنُ وَفِي الْبُرِّ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْعَدُّ فِي بَلَدٍ يَكُونُ الضَّارِبُ فِيهِ لِلدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ يَعْتَبِرُ الْوَزْنَ وَلَا تَدْخُلُهُ فِيهِ دَاخِلَةٌ

وَمَنْ أَجَازَ عَدَّ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إِنَّمَا يُجِيزُهَا فِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا أَوْ فِي الذَّهَبِ بِالْوَزْنِ لَا فِي بَعْضِ الْجِنْسِ بِبَعْضِهِ

وَأَمَّا قَوْلُهَا (وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ) فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُمُ الْوَلَاءَ بَعْدَ عَقْدِهِمُ الْكِتَابَةَ لِأَمَتِهِمْ وَأَنْ تَوَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ لِيَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَقَالُوا لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إِلَّا لَنَا

وَلَوْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ كَمَا نَقَلَهُ هِشَامٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ لَكَانَ النَّكِيرُ حِينَئِذٍ عَلَى عَائِشَةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَتْبُوعَةً بِأَدَاءِ كِتَابَةِ بَرِيرَةَ وَمُشْتَرِطَةٌ لِلْوَلَاءِ مِنْ أَجْلِ الْأَدَاءِ وَهَذَا بَيْعُ الْوَلَاءِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ

فَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْإِنْكَارُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دُونَ مَوَالِي بَرِيرَةَ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا نَقَلَهُ غَيْرُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ وَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ هِشَامٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ وُهَيْبَ بْنَ خَالِدٍ - وَكَانَ حَافِظًا - رَوَى هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ فِيهِ إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَقَوْلُهَا وَأُعْتِقُكِ دليل على شرائها لها شِرَاءً صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتِقُهَا إِلَّا بَعْدَ الشِّرَاءِ لَهَا

هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي قَوْلِهَا (واعتقك) والله اعلم

وفي حديث بن شهاب ان رسول الله قَالَ لِعَائِشَةَ (لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي) فَأَمَرَهَا بِابْتِيَاعِ بَرِيرَةَ وَعِتْقِهَا بَعْدَ مِلْكِهَا لَهَا

وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ

وَفِي قَوْلِهِ في حديث بن شِهَابٍ (ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي) تَفْسِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ (خُذِيهَا) أَيْ خُذِيهَا بِالِابْتِيَاعِ ثُمَّ أَعْتِقِيهَا

وَيُصَحِّحُ هَذَا كُلَّهُ حَدِيثُ مَالِكٍ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>