قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا إِنَّمَا قَالَهُ مَالِكٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِينَ كِتَابَةً وَاحِدَةً أَنَّهُمْ حُمَلَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَأَصْلُهُ فِي أَنَّ الْجِنَايَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ الْجِنَايَةِ فَقَدْ عَجَزُوا وَإِذَا عَجَزُوا عَادُوا عَبِيدًا
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يقولون لا ياخذ بِالْجِنَايَةِ إِلَّا جَانِيهَا وَحْدَهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا بِيعَ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَلْخِيصِ ذَلِكَ عَنْهُمْ
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أُصِيبَ بِجُرْحٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَقْلٌ أَوْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ فِي قِيمَتِهِمْ وَأَنَّ مَا أُخِذَ لَهُمْ مِنْ عَقْلِهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِمُ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ
ثُمَّ فَصَّلَ ذَلِكَ بِمَا لَا يُشْكِلُ مِنْ أَنَّهُ إِذَا ضَمَّ عَقْلَ الْجُرْحِ إِلَى مَا يَقْبِضُهُ مِنَ الْمُكَاتَبِ فَتَأَدَّى مِنْ ذَلِكَ جَمِيعُ الْكِتَابَةِ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ عَقْلُ الْجُرْحِ أَكْثَرَ مِنَ الْكِتَابَةِ قَبَضَ الْمُكَاتَبُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ حُرٌّ
قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ فَإِنْ عجز رجع إلى سيده اعور او مقطوع الْيَدِ أَوْ مَعْضُوبَ الْجَسَدِ وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالِهِ وَكَسْبِهِ وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ عَقْلِ جَسَدِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ وَلَكِنْ عَقْلُ جِرَاحَاتِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوَ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ مَذْهَبُ كُلِّ مَنْ قَالَ (الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ) يَعْنُونَ فِي جِرَاحَاتِهِ وَحُدُودِهِ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِيَةُ عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ دِيَةَ جِرَاحَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَمَا صَارَ مِنْهَا لِلْحُرِّيَّةِ قَبَضَهُ وَمَا صَارَ مِنْهَا لِلْعُبُودِيَّةِ دَفَعَ إِلَى سَيِّدِهِ فَعَدَّ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إِنْ جُرِحَ جِرَاحَةً فَهِيَ عَلَيْهِ فِي قِيمَتِهِ لَا تُجَاوِزُ قِيمَتَهُ وَإِذَا أُصِيبَ بِشَيْءٍ كَانَ لَهُ قَالَ الثَّوْرِيُّ أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ هِيَ فِي عُنُقِ الْمُكَاتَبِ
وَأَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ يَضْمَنُ مَوْلَاهُ قِيمَتَهُ