للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَيْعِ الْمُكَاتَبِ

فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يُبَاعُ إِلَّا عَلَى أَنْ يَمْضِيَ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ مُشْتَرِيهِ وَلَا يُبْطِلَهَا وَهَذَا عِنْدِي بَيْعُ الْكِتَابَةِ لَا بَيْعُ الرَّقَبَةِ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَيْعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا لِأَنَّ بَرِيرَةَ بِيعَتْ وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا

وَقَالَ آخَرُونَ إِذَا رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ جَازَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ

هَذَا قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَيْضًا إِلَّا أَنَّ مَالِكًا اخْتَلَفَ قوله فِي كَيْفِيَّةِ تَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ وَلَا يَرَى بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ إِلَّا بَعْدَ التَّعْجِيزِ

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِذَا رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَهُوَ مِنْهُ رَضًى بِالتَّعْجِيزِ وَتَعْجِيزُهُ إِلَيْهِ لَا إِلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّ بَرِيرَةَ رَضِيَتْ أَنْ تُبَاعَ وَهِيَ كَانَتِ الْمُسَاوِمَةَ لِنَفْسِهَا وَالْمُخْتَلِفَةُ بَيْنَ سَادَتِهَا الَّذِينَ كَاتَبُوهَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ الَّتِي اشْتَرَتْهَا

وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ إِلَّا لِلْعِتْقِ فَكَذَلِكَ بِيعَتْ بَرِيرَةُ

هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ

وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ حَتَّى تَعْجِزَ فَإِذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا جَازَ بَيْعُهَا وَذَكَرُوا أَنَّ بَرِيرَةَ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَلِلْمُكَاتَبِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ

وَسَنَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَيَجُوزُ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنَّهُ إِنْ عَجَزَ فَلِلَّذِي اشْتَرَى كِتَابَتَهُ رَقَبَتُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَرِثَهُ دُونَ الْبَائِعِ وَإِنْ أَدَّى كِتَابَتَهُ إِلَى الَّذِي اشْتَرَى كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْبَائِعِ الَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ

هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ

وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْدِ الْعَقْدِ لَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ كِتَابَتِهِ وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّا بَقِيَ مِنْهَا عَلَيْهِ وَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لَا يدري العجز الْمُكَاتَبِ أَمْ لَا وَلَا يَدْرِي الْمُشْتَرِي مَا يَحْصُلُ عَلَيْهِ بِصَفْقَتِهِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ أَوْ كِتَابَتِهِ وَإِنْ حَصَلَ عَلَى رَقَبَتِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ بَيْعُ الْوَلَاءِ

هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ واصحابه

<<  <  ج: ص:  >  >>