وَتَكَلَّمُوا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِمَا وَصَفْنَا وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ فِي تَرْكِ مُرَاعَاةِ إِخْرَاجِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزِهَا إِلَّا شيئا عن عائشة وبن الزُّبَيْرِ وَرِوَايَةً عَنِ الْحَسَنِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا
وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْرِقَ شَيْئًا مَحْرُوزًا يُخْرِجُهُ مِنْ حِرْزِهِ
وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّارِقِ يَسْرِقُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَيُرْفَعُ إِلَى الْإِمَامِ فَيُقِرُّ أَوْ تَثْبُتُ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ بِقَطْعِهِ فَيَهَبُ لَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى مَا صَحَّ عَنْ صَفْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ وَالصَّدَقَةَ عَلَيْهِ بِمَا سَرَقَهُ رُبَّمَا وَقَعَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَطَائِفَةٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فَلَا تَقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ في ما هُوَ مِلْكٌ لَهُ
وَهَذَا مِنْهُمْ دَفْعٌ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ) وَلِمَ يَرْوُونَ شَيْئًا يَرُدُّونَهُ بِهِ
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَقَعَتِ الْهِبَةُ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِلسَّارِقِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الْأَمَامِ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُقْطَعُ
وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بن أَبِي لَيْلَى
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بِالزَّانِي بِأَمَةِ غَيْرِهِ تُوهَبُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ يَشْتَرِيهَا قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَنَّ مِلْكَهُ الطَّارِئَ لَا يُزِيلُ عنه الحد
ومن حجة ابي حنيفة ومن تابعه الحديث المرفوع (تعافوا الحدود في ما بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقْدِ وَجَبَ