وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَهَبَ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ فِي الْعَدُوِّ فَأَصَابَ نَفْسَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ أَنْ رَجُلًا فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ خَطَأً فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدِيَتِهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَالَ أَصَابَتْهُ يَدٌ مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَجِبَ لِلْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنٌ وَالْعَاقِلَةُ إِنَّمَا تَحْمِلُ عَنِ الْمَرْءِ مَالَهُ لِغَيْرِهِ
أَلَّا تَرَى أَنَّ مَالَا عَاقِلَةَ لَهُ لَزِمَتْهُ جِنَايَتُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَمَّا اسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ اسْتَحَالَ أَنْ يَجِبَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْئًا فَهَذَا يَقْتَضِي مِنْ قَوْلِهِ عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنَّ دِيَةَ الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَكُلَّ مَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ مِنَ الْجِرَاحِ فِي الْعَمْدِ أَنَّهُ فِي مَالِ الْجَانِي لا على العاقلة وأما قوله ومما يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الْبَقَرَةِ ١٧٨ فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ وَقَوْلُ أَصْحَابِهِ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فمن عفى له) هَلْ هُوَ الْقَاتِلُ أَوْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ
وَقَدْ أَفْرَدَنَا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا اسْتَوْعَبْنَا فِيهِ مَعَانِيَهَا وَمِمَّا لِلْعُلَمَاءِ فِيهَا وَأَوْضَحْنَا الْحُجَّةَ لِمَا أَخْبَرَنَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ لَا مَالَ لَهُ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَالَ لَهَا إِذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً دُونَ الثُّلُثِ إِنَّهُ ضَامِنٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا خَاصَّةً إِنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرْأَةَ مَعَ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ الصَّبِيَّ عَمْدُهُ خَطَأٌ وَفِعْلُهُ كُلُّهُ خَطَأٌ إِذَا كَانَ فِي الدِّمَاءِ
وَكَذَلِكَ خَطَأُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ مِنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute