وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ قَتْلَ الْمُدْلِجِيِّ لِابْنِهِ خَطَأً فَقَدْ أَعْقَلَ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تُغَلَّظُ عَلَى أَحَدٍ فِي الْخَطَأِ
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ قَتَلَ ابنه فلم يقده عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَغْرَمَهُ دِيَتَهُ وَلَمْ يُوَرِّثْهُ مِنْهُ شَيْئًا وَوَرَّثَ مِنْهُ أُمَّهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَصَحُّ إِسْنَادٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ ابْنَهُ عَمْدًا هَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا ذَبَحَهُ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ خَذَفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ عَصًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ
قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إِذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَلَا الْجَدُّ بِابْنِ الِابْنِ
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُقَادُ الْجَدُّ بِابْنِ الِابْنِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا يُقَادُ الْأَبُ بِالِابْنِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِابْنِهِ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَيُقْتَلُ الِابْنُ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِالْأَبِ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مِهْرَانَ السَّرَّاجُ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى الْمُقْرِئُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقَادُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي مَنْ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا كَاخْتِلَافِ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ فِي ماله والآخر على العاقلة