عَاقِلَتِهِ فَالْقِيَاسُ عَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْعَقْلُ لَازِمًا لَهُ كَانَ وَلِيًّا لِلدَّمِ وَكَانَ لَهُ الْعَفْوُ دُونَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا دِيَةٌ فَكُلُّ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهَا كَانَ وَلِيًّا لَهَا وَجَازَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَعَنْ نَصِيبِهِ مِنْهَا
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّ عَفَتِ الْعَصَبَةُ أَوِ الْمَوَالِي بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الدَّمَ وَأَبَى النِّسَاءُ وَقُلْنَ لَا نَدْعُ قَاتِلَ صَاحِبِنَا فَهُنَّ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الْقَوَدَ أَحَقُّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَصَبَةِ إِذَا ثَبَتَ الدَّمُ وَوَجَبَ الْقَتْلُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَكُمْ في القصاص حيوة) الْبَقَرَةِ ١٧٩
وَفِيهِ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ وَالتَّشْدِيدِ مَا فِيهِ فَكَانَ الْقَائِمُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّنْ عُفِيَ عَنْهُ
وَاللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) أَعْلَمُ
وَحُجَّةُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَهُ السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقَوَدِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ دِيَةٍ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ أَفْرَدْنَا لَهَا بَابًا وَأَوْضَحْنَا فِيهِ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الْبَقَرَةِ ١٧٨ وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْسِمُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مِنَ الْمُدَّعِينَ إِلَّا اثْنَانِ فَصَاعِدًا تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَحْلِفَا خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ قَدِ اسْتَحَقَّا الدَّمَ
وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ لِأَخِي الْمَقْتُولِ عبد الرحمن بن سهل ولا بني عَمِّهِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْأَخِ وَحْدَهُ تَحْلِفُ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَخَ يَحْجُبُ ابْنَيْ عَمِّهِ عَنْ مِيرَاثِ أَخِيهِ
وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَحْلِفُ إِلَّا الْوَرَثَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَحُكِمَ لَهُ بِالدِّيَةِ
وَأَمَّا الكوفيين فَلَا يَحْلِفُ عِنْدَهُمُ الْمُدَّعُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ بِمَا لَا مَعْنَى لِتَكْرَارِهِ