فَأَكَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاؤُهُ بِهَا ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُحُدٍ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمَعْنَى في قول الله تعالى (وسئل الْقَرْيَةَ) يُوسُفَ ٨٢ يَعْنِي وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي أُحُدٍ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ يَعْنِي الْأَنْصَارَ السَّاكِنِينَ قُرْبَهُ وَكَانُوا يُحِبُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُمْ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَأَعَانُوهُ عَلَى إِقَامَةِ دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَجَازِ أَيْضًا وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرَحُ بِأُحُدٍ إِذَا طَلَعَ لَهُ اسْتِبْشَارًا بِالْمَدِينَةِ وَمَنْ فِيهَا مِنْ أَهِلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَيُحِبُّ النَّظَرَ إِلَيْهِمْ وَيَبْتَهِجُ لِلْأَوْبَةِ مِنْ سَفَرِهِ وَالنُّزُولِ عَلَى أَهْلِهِ وَأَحِبَّتِهِ
وَقَوْلُهُ يُحِبُّنَا
أَيْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْحُبُّ لَأَحَبَّنَا كَمَا نُحِبُّهُ
وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا بِشَوَاهِدَ فِي التَّمْهِيدِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَحَبَّتَهُ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا يُسَبِّحُ كُلُّ شَيْءٍ حَقِيقَةً وَلَكِنْ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ النَّاسُ وَغَيْرُ نَكِيرٍ أَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ مَحَبَّةَ رَسُولِهِ فِي الْجَمَادِ وَفِيمَا لَا يَعْقِلُ كَعَقْلِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا وَضَعَ اللَّهُ خَشْيَتَهُ فِي الْحِجَارَةِ فَأَخْبَرَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ بِأَنَّ مِنْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَكَمَا وَضَعَ فِي الْجِذْعِ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَنَّ إِلَيْهِ حَنِينَ النَّاقَةِ لِوَلَدِهَا
رَوَاهُ أَنَسٌ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَخَطَبَ عَلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ إِلَيْهِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحتضنه فسكن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute