(وَلَيْسَتْ كَأُخْرَى أَوْسَعَتْ جَيْبَ دِرْعِهَا ... وَأَبْدَتْ بَنَانَ الْكَفِّ بِالْجَمَرَاتِ)
(وَعَلَتْ فَتِيتَ الْمِسْكِ وَحْفًا مُرَجَّلًا ... عَلَى مِثْلِ بَدْرٍ لَاحَ فِي الظُّلُمَاتِ)
(وَقَامَتْ تُرَائِي يَوْمَ جَمْعٍ فَأَفْتَنَتْ ... بِرُؤْيَتِهَا مَنْ رَاحَ مِنْ عَرَفَاتِ)
قَالُوا فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الشِّعْرَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْبَيْتُ الَّذِي سَمِعَهُ سَعِيدٌ مِنَ الْأَخْضَرِ الْجِدِّيِّ هُوَ مِنْ شِعْرِ النُّمَيْرِيِّ يُعْرَفُ بِذَلِكَ وَهُوَ ثَقَفِيٌّ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ النُّمَيْرِيُّ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ كَانَ يُشَبِّبُ بِزَيْنَبَ أُخْتِ الْحَجَّاجِ وَشِعْرُهُ هَذَا حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ نَذْكُرُهُ ها هنا لِأَنَّهُ مِنْ مَعْنَى الْبَابِ وَمَا رَأَيْتُهُ قَطُّ مُجْتَمِعًا وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ مُفْتَرِقًا يَتَمَثَّلُ مِنْهُ بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ وَالْأَبْيَاتِ وَقَدْ جَمَعْتُهُ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ
(تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نُعْمَانَ أَنْ مَشَتْ ... بِهِ زَيْنَبُ فِي نِسْوَةٍ خَفَرَاتِ)
(فَأَصْبَحَ مَا بَيْنَ الهويما فجذوة ... إلى الماء ماء الجدع في الْعَشَرَاتِ)
(لَهُ أَرَجٌ مِنْ مِجْمَرِ الْهِنْدِ سَاطِعٌ ... تَطْلُعُ رَيَّاهُ مِنَ الْكَفَرَاتِ)
(وَلَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَ سِرْبٍ لَقِيتُهُ ... خَرَجْنَ مِنَ التَّنْعِيمِ مُبْتَكِرَاتِ)
(تَهَادَيْنَ مَا بَيْنَ الْمُحَصَّبِ مِنْ مِنًى ... وَأَصْبَحْنَ لَا شَعْثَاءَ وَلَا عَطِرَاتِ)
(أَعَاذَ الَّذِي فَوْقَ السماوات عرشه ... أو أنس بِالْبَطْحَاءِ مُؤْتَجِرَاتِ)
(مَرَرْنَ بِفَخٍّ ثُمَّ رُحْنَ عَشِيَّةً ... يلبين للرحمن معتمرات)
(يخمرن أطراف البنا مِنَ النُّقَا ... وَيَخْرُجْنَ وَسْطَ اللَّيْلِ مُعْتَجِرَاتِ)
(تُقْسِمْنَ لِي يَوْمَ نُعْمَانَ أَنَّنِي ... رَأَيْتُ فُؤَادِي عَازِمَ النَّظَرَاتِ)
(جَلَوْنَ وُجُوهًا لَمْ يَلُحْهَا سَمَائِمُ ... حَرُورٍ وَلَمْ يُسْعِفْنَ بِالصَّرَّاتِ)
(فَقُلْتُ يُعَافَى الظِّبَاءُ تَنَاوَلَتْ ... تُبَاعَ غُصُونِ الْوَرْدِ مُعْتَصِرَاتِ)
(وَلَمَّا رَأَتْ رَكْبَ النُّمَيْرِيِّ أَعْرَضَتْ ... وَكُنَّ مِنْ أَنْ يَلْقَيْنَهُ حَذِرَاتِ)
(فأدنين حتى جاوز الركب دونها ... حجاجا مِنَ الْوَشْيِ وَالْحِبَرَاتِ)
(فَكِدْتُ اشْتِيَاقًا نَحْوَهَا وَصَبَابَةً ... تَقَطَّعُ نَفَسِي دُونَهَا حَسَرَاتِ)
(فَرَاجَعْتُ نَفْسِي وَالْحَفِيظَةَ بعد ما ... بَلَلْتُ رِدَاءً لِلْعَصَبِ بِالْعَبَرَاتِ)
وَأَرَادَ الْحَجَّاجُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَاسْتَجَارَ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَأَجَارَهُ وَقَالَ لَهُ مَا كَانَ رَكْبُكَ يَا نُمَيْرِيُّ فَقَالَ أَرْبَعَةُ أَحْمِرَةٍ عَلَيْهَا زَيْتٌ وَزَبِيبٌ فَضَحِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَالْإِجَازَةِ فِي الْغِنَاءِ عَلَى أَنَّ جُمْهُورَهُمْ يَكْرَهُونَ غِنَاءَ الْأَعَاجِمِ وَيُجِيزُونَ غِنَاءَ الْأَعْرَابِ وَأَثْبَتْنَا هُنَالِكَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا