مِنْهُ
ثُمَّ نَاوَلَهُ رَجُلًا عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ نَادَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَقُلْتُ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَقُولُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَلَا فِي حَرَمِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ عُمَرُ أَأَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ فَقُلْتُ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْصَرَفَ
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الخبر بن بُكَيْرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ
وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَقَدْ تَابَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ
وَأَمَّا النَّبِيذُ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ إِنَّ هَذَا الشَّرَابَ طَيِّبٌ فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ مَا يُفَسِّرُ الطَّيِّبَ وَغَيْرَ الطَّيِّبِ وَكُلُّ شَرَابٍ حُلْوٍ لَا يُسْكِرُ الْكَثِيرُ مِنْهُ فَهُوَ الطَّيِّبُ وَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ الْخَبِيثُ لَا الطَّيِّبُ
وَأَمَّا مُنَاوَلَةُ عُمَرَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فَضْلَةَ شَرَابِهِ فَهِيَ السُّنَّةُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ)
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فِي تَقْرِيرِهِ وَتَوْبِيخِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِ عُمَرَ الْمَدِينَةَ عَلَى مَكَّةَ
وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا وَفِي لَفْظِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَا ظَنُّوا مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِنْ ذَلِكَ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ أَنْتَ الْقَائِلُ لَمَكَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَخَافَ مِنْهُ عُمَرُ أَنْ يَمْدَحَ مَكَّةَ وَيُزَيِّنَهَا لِمَنْ هَاجَرَ مِنْهَا فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَيْهَا وَخَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباس بن عُمَرَ فِي ذَلِكَ دُرَّتَهُ وَسَطْوَتَهُ فَفَزِعَ إِلَى الْفَضْلِ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ عُمَرُ وَجَادَلَهُ عَمَّا أَرَادَ مِنْهُ فَقَالَ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ وَفِيهَا بَيْتُهُ يَعْنِي وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْمَدِينَةُ وَأَقَرَّ لَهُ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَأَمْنِهِ وَلَا فِي بَيْتِهِ شَيْئًا وَأَعَادَ عَلَيْهِ عُمَرُ قَوْلَهُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ عبد الله بن عباس مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُنْكِرْهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَمْ أَسْأَلْكَ عَنِ التَّفْضِيلِ وَلَا الْفَضَائِلِ وَسَكَتَ لِمَا سَمِعَ مِنْهُ مِنْ فَضْلِ مَكَّةَ مَا لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَحْتَجَّ مَعَهُ إِلَى ذَلِكَ خَيْرَاتِ الْمَدِينَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَيْرَاتِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ حِينَئِذٍ أَكْثَرَ مِنْ رُطَبِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute