وَرَوَى أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنَ الطُّرُقِ الصِّحَاحِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ إِلَى هُنَا انْتَهَى حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ طُرُقِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا من يرد الله به خيرا يفقهه في الدِّينِ
فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَوْلَهُ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ
فَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ هِيَ الَّتِي سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَا مَا قَبْلَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ حَدِيثِهِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ فَالرِّوَايَةُ عِنْدَنَا فِي الْمُوَطَّأِ الْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ الْحَظُّ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْبَخْتُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى عِنْدَكَ غِنَاهُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بِطَاعَتِكَ
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا الْفُقَرَاءُ وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ
يَعْنِي أَصْحَابَ الْغِنَى
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا الْكَسْرُ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ
قَالَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ أَحَدًا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ اجْتِهَادُهُ وَإِنَّمَا لَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُ وَلَيْسَ الرِّزْقُ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَيْضًا وَجْهٌ حَسَنٌ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ مَرْفُوعٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ
١٦٦٥ - مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا